Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Menu
مرايا التحرر الثقافي

مرايا التحرر الثقافي

مرايا التحرر الثقافي

مرايا التحرر الثقافي :

ساد مفهوم التحرر كنور مصباح جديد، رأت به العيون مرايا الوجود، و أزاحت به الستار عن مخابئ العقل التي طمرها تاريخ الإنسانية العميق في الجهل و الأسطورة. قابَل التخلف و الرجعية، و رادَف التقدم و التقدمية. جاء التحرر كحمامة موعودة و منتظَرة، برفرفتها و هديلها و خاتمها الذي يحمل رسالة التحرر من قيود التخلف و الجهل و الفكر الأسطوري و الخرافي و الديني المضلل. كذلك من قيود الاستلا السياسي البشع مع النظام الإقطاعي ثم الإمبريالي الجشع بالموازاة مع الأنظمة العالمية الاستبدادية تاريخيا و الدموية عمليا. حينها وجدنا التحرر أمل الشعوب في ركب سفينة النجاة نحو شمسٍ جديدة و شواطئ عدالة و حرية و مساواة.

و نسي المركب أ، خوضه المغمار أمواج جدلية في مدّ و جزر، قد لا تسعفه في الرسو، فتتراجع به القهقرى إلى الوراء، و تنتظر الغد الموعود بالتحرر إذا.

هي صورة رحلة التحرر في بلادنا على الأقل. سنختار منها مرآتين على سبيل المثال لا الحصر.

المرآة الأولى هي مرآة طبقة مثقفة، جاءت في سياق ثقافي و اجتماعي و تاريخي ـ سياسي مناهض لآليات التحكم الاستعمارية و اجترار أغلال الرجعية الداخلية في الذهنية كما في السياسة. تبنت هذه الطبقة الفكر المتنور في مرحلتها، و الواعد بالبديل، و المحرر للذات من قيود العدم الخالد وجودت. كان الفكر الاشتراكي و الشيوعي هو مرجع و ثدي الحالمين بفطام من قهر الاستبداد و الاستغلال الطبقي. رُسِم البديل الحضاري طبعا، فاخترق مجالات التغيير سياسيا و نقابيا، فكريا و فلسفيا و ثقافيا، اجتماعيا و عاداتيا. رسم مشروع الواقع في التجاوز مع المعسكر الشرقي الاشتراكي و الجمهورية الصينية و الحركات الثورية و الأحزاب اليسارية التقدمية. تشكلت مع كل هذه الموجات العاتية فئات مثقفة احتاجت للثورة الذاتية قبل الموضوعية. ثورة العقل و النفس و السلوك و الأخلاق، من سحر الطاغوت الأمبريالي ـ الرجعي و أخطبوطه المتحكم في الأفراد و الجماعات. ثورة تخرج الإنسان من الكبت و الحرمان و الأدوار التقليدية في العيش و مقاربة جمالياته و متعته. كل ذلك مع كسر كمْ من جدار منيع ضد جديد الفكر و الحرية. جدار مؤسسات مستعصية على التطور تشكلها المدرسة و الأسرة و ما يتبع ولاء الدين و اخلاقه و ثبوتيته العمياء المتعصبة.

كل هذا احتاج إلى تحول بنيوي في العقلية، و جذري في التحليل، و ثوري في تشكيل الشخصية و العلاقات و معايير التحقيق. وجدنا المثقفين كطبقة عليا تحمل هذه الرسالة كرسالة الأنبياء في القرون الوسطى. فكان التكامل الإنساني المشترك في تحقيق هذا المشروع الكوني في التحرر. و كان التحرر الثقافي و ما يزالُ المشوارَ المنفلت من قبضة الرجعية و الإمبريالية المعولمة في تقوّيهما و محاربتهما لكل تقدمية إيجابية.

بينما المرآة الثانية، تعكس ما صدئ من الأولى و أصبح عالقا صخرها الصامد أما محالات التكسير العولمية لثقافة التقدمية و التحرر.

هي مرآة اجتُرَّ لها الأفراد اجترارا، فشوهوا مفهوم التحرر و ميعوا مفهوم التقدمية معه. سنتحدث عن نتاج تحرر ثقافي معطوب في شخصياتنا  و نفوسنا. أشكال نضال لا ترقى إلى الفلسفي المقتنع بمشروعه، و بالتبع، الخاضعة لمنطق الاستسلام لضعفها و وهنها مع أول امتحان يجرف هشاشتها التي هي كهشاشة قصور من رمال على شواطىء صخور و امواج متلاطمة.

أصبحنا اليوم نعيش مع وضع مثقفين يتبنون إطار التحرر و التقدمية بمفهوميهما الناقصين و المعتلّين. حيث الانفصام بين رجعي ـ إمبريالي مادي في الاستفادة و العيش، و تحرري ـ تقدمي مثالي في الشعار و التصور. انفصام ليس بفلسفي بقدر ما هو مَرَضي يجتر علل التاريخ و عوائقه كميكانيزمات و عجلات تعبر عن سوريالية تردّي كبيرة.

هكذا أصبح مفهوم التحرر عند هؤلاء رغبة في الخروج من الانفصام المرَضي، و تعويضه بالداء بدل الدواء. كان الداء كبتا و حرمانا و تهديد فطرة، و أصبح تفريغا و تعويضا عنها بتفجير لا أخلاقي ـ سلوكي، يشبع بنهم أجوف الغرائز الحيوانية بدل المبادئ الثقافية عند هذه الفئة من الذين يسمون بالمثقفين.

المثقف الذي يفتح حقيبته ليتاجر بالأفكار من أجل الكسب المادي. المثقف الذي أصبح يخلق أشكال نفوذ و هيمنة من أجل استغلال العلاقات في تلبية الرغبات الحيوية كهدف مقدس باسم الحرية و التحرر و التقدمية. فيمارس اغتصابا و غصبا منشودين في الجنس و المال و التسلط.

لكي ينهض المجتمع من عثرته التاريخية، سيحتاج إلى تحرير المرآتين من رجعية الذات و رجعية السياسة و المجتمع.

الانتقال بين المرآتين في الملاحظة و التحليل يرصد التحولات الشخصية المادية الطارئة على شخصية المثقف. ذاك ان المعنوية منها تلتبس بها صفة المثقف و خطاباته و حمولته و أشكال إنتاجه اللامادي.

داخل الزوبعة لا يمكن تمييز الأوان و لا تصنيف الأشياء. كما داخل العاصفة و الأمواج العاتية. لذلك فإن أسس التحليل لهذه الظاهرة و تنقلاتها لا تنفلت عقلانيا رغما عن دمغجاتها و تمويهاتها و شرنقاتها التعبيرية. و التحليل العقلاني يجعلها داخل إطار الانتقالات الانتحارية الطبقية، و الانتهازية الخيانية، و الخيانة للمبادئ التي تنسف كل التزام و نضالية و ثقة مجتمعية في مشروع شخصية المثقف السياسية.

ألف مبرر يمكن للمثقف أن يجده، بل عشرات الآلاف و الذرائع. لكن واقع الحال و الممارسة في مقارنته تحرريا بين التحرر التقدمي و هذا التحرر الطبقي و الشخصي و المادي، سيجعله داخل قفص الاتهام و التخلي عما سطره تاريخ التحررية و التقدمية من مهام. يوم كان التحرر الثقافي إيمانا بدرجات الاستشهاد و منها التحرر من غرائز التملك و الجنس و الاستقواء. و منها حب البقاء الذي كانت القناعة و المبدأ مقدسان، يتسامى بهما المناضل و يترفع بهما، عفة و أمانة، قد لا تجدهما حتى عند الإمام. الآن، هل يمكننا أن نحافظ له على الصفة إذا ذهبت عناصر الوصف و خصائص الموصوف؟

تعريته من هذا تجعله داخل قفص الاتهام، كائنا غرائزيا يحسن الإنشاد لمي ينعم بكا اشتهاء.

مرآتان، إحداهما حرة خالصة، و الأخرى زائفة خادعة. إحداهما رفيعة و الأخرى وضيعة. فهل هو ناقوس الخطر الذي يهدد شعلة المستقبل للإنسانية في التحرر و التقدمية؟ أكيد أنه قد رنَّ قارعةً و صُوراً و زلزلةً.