الحداثة ـ مدخل البنية النفسية (3)ـ

استنتاجات:

في محاولة وتجربة واجتهاد شخصي لا يفرض بل يشارك في الحوار والتفكير، نخلص إلى استنتاجات مكمّلة ومنفتحة على ما هو أفضل منها طبعا:

ـ كون الوعي أساس الانفتاح على التطور. وكيف سيتأتى هذا الوعي داخل مجتمعات يسودها الجهل والأمية والتحكم القبَلي والسياسي المستبِد الذي يبني مصالحه على بنية حكم تقليدية ويعطي الشرعية لإحدى واجهاته بها.

ـ كون الحرية مجرد شعار ظاهري لم يتطور بعد إلى مساواة وعدالة بين الجنسين، وإلى حق يمارس بدون حرج سوى حرج مخالفة دولة الحق والقانون وحرج عدم احترام الآخر المكمّل لنا في الوجود.

ـ كون الحياة المجتمعية لم تعرف بعد تنظيما مؤسساتيا شفافا وقانونيا ديمقراطيا بعيدا عن كل التناقضات التي يتلاعب بها السياسي لأجل التحكم في ما يراه مصلحة له من دونها، ولأجل تلوّنه الحربائي كيفما يشاء داخلها بحسب نفعيته ومخارجه من ورطاته ومن اجل تلميع صورته وافتراسه للمصالح...

ـ كون التربية الجديدة التي تحرر الإنسان من الداخل لم تتحقق بعد. والتربية تكون داخل برنامج مجتمعي يتكامل فيه كل قطاع مع الآخر،  حتى يحقق المشروع المتكامل والبناء الحضاري المنشود.

ـ كون العلاقة بين الذكر والأنثى لم تتطهر بعد من الكبت ومن الدونية التي تحكم عقلية الجنسين فتجعل استمرارية الخضوع والذل والاحتقار والاستغلال لهذا الجنس على ذاك، حتى باتت العلاقة بينهما صراعا تسوده الغفلة والخيانة وعدم الثقة وغيايبب قيمة الحب بشكلها الراقي والنزيه.

ـ كون الفرد متهمًا في نظر رجل القانون والسلطة، وأن حقه هبة فقط، فمتى شاءت السلطة نزعها منه استغلت ثقوب القانون وفراغاته لكي تنزل عليه بفزاعاتها وإرهابها. وهنا يشعر المواطن بأنه يعيش داخل شِراك وشباك عالقة لا يستطيع الصراخ داخلها لأنه مصيدة معلقة قرارات انتشالها وتقديمها بطن حوت أكبر.

ـ كون الحداثة قد قدِّمت لهذا المواطن كاستثناء وليس كحق جلي. وحينما يتجاوز حدود الولاء القروسطي، تنتقل السلطة إلى ارتداء سلهام أو جلباب التقي النقي الحاكم باسم السماء وقانون العصمة الملائكية على من هو نتاج النية الشيطانية.

ـ كون بناء الدولة والمجتمع على قيم وأخلاق مدنية تشرّف الحداثة المرجوة قد تم تشويهه. وهكذا أصبحت مجتمعاتنا كما أفرادها داخل فوضى تنظيمية وسلوكية منحرفة عن القيم الحداثية النبيلة. لكن القارئ قد يتساءل: ما هي هذه القيم الحداثية النبيلة غن كان هذا الفهم مغلوطا من طرف هؤلاء؟

رحلة نبيلة داخل قيم الحداثة إذن، تترجمها المقارنات التي يلاحظها البعض حين زيارتهم للدول المتقدمة حتى قولهم: أولئك الذين ننعتهم بالكفر هم المسلمون الحقيقيون. ربما. لكن ما نطلبه هو الانسان قبل الاعتقاد، حتى تكون علاقة اعتقادك طهارة لك مع معتقدِك.