Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Menu
   حسن إمامي        عالم السرد

حسن إمامي عالم السرد

   حسن إمامي        عالم السرد

 

 

سرمدية عالم السرد

 

 

طغت على الساحة الأدبية كما الثقافية ظاهرة الاهتمام والاشتغال على عالم السرديات والأسلوب السردي، وأصبحت السرديات تتضمن مناحي عدة في التوجه والأنساق والتوظيف لما هو مكتوب. بل أصبحت المدارس العالمية تهتم بها كمنتوج يخضع للمعالجة السياقية والدلالية والتوظيفية. حتى إننا لا نستطيع الادعاء بالإلمام بكل هذا العالم ولا التمكن منه بشكل تخصصي احترافي أكاديمي. وهذه الكتابة الآن، لا تتغيى خوضا تخصصيا أو أكاديميا، أي أنها مجرد ملاحظات تهدف إلى رصد تفاعلها المتحقق بين الذات والكتابة السردية وكذا مقروءاتها.

هي الحياة تأخذ طابعا اختياريا بين منحى وآخر. اعتبرها البعض من الباحثين لصيقة بالمعرفة ورياضة التفكير. هذه الحياة أصبحت في يوميّها مندمجة شعورا وتفكيرا وسلوكا وآداب وعاداتِ اشتغالٍ مع عالم الكتابة وعالم متون سردية متنوعة، يخترق كل نسق فيها باقي الأنساق، وكل حقل مجاوريه من الحقول التي يتقاطع معها في التفاعل. تُلتقط الصورة البلاغية والتعبيرية، وتُقتطف اللمسة الشعرية والمجازية، فتخلق هيولى ذهنية وترسم صورتها الجمالية.

هكذا سيكون منطلق هذه المحاولة ملامسة لعالم السرديات من ناحية ما تؤثثه كثقافة ومعرفة أولا، تشكلان وعيا وبلورة تصورات وتجارب جديدة. ما تحققه كتطور في أشكال وأساليب التعبير والإبداع. وننتقل إلى ما هو أخطر، ربما سيؤثر على ما هو طبيعي، ما هو عادي في الحياة. حينما تصبح الحياة منصهرة حيث اللازمن بقياس يحكمها، وحيث اللامكان قد تعيش به هذه الذات، فتكون جميع الأمكنة والأزمنة مجرد ترجمة لعالم مرايا ذهنية يلتقطها سجل السرد فيشكلها بما يناسب الحرف والتعبير والصورة.

اللازمن يتسرمد فيه الذهن فيصبح مشتغلا كل لحظة، رغم ما قد يبدو من تقلبات الجسد وحاجة الذات إلى راحة بعد تعب وجهد، إلى نوم بعد يقظة، إلى عافية بعد سقم، رغم كا هذا يكونه الذهن مشتعلا ومشتغلا ومتفاعلا. الغريب أنه قد لا يبدع أفكارا وألوان وأنغاما واحتفاليات إلا مع حالات عاهات الوجود والعيش. وكأنها سخريتنا من أنفسنا ومن الآخرين حينما تسخر عصابة الأصدقاء منك فتقول مستفزة لنسبية الكمال المنفلت والمحروم منه ومن طمأنينته، (دعه يتألم، يعاني، كي يبدع) ! يا لها من مفارقة ! ونحن الذين أردناها راحة وريش نعيم وسيم وقلب رحيم وحالم. يا لها من مفارقة وكأنه العدم الذي يراقص الوجود في رقصة لحظية لا توقعها سوى موسيقى ورقصة زوربا التي أنا الآن في هذه اللحظة في استمتاع التفاعل معها.

أن أستحضر نماذج مشابهة، فهي قد تراكمت في اللامتفَكّر فيه الآن، لكنه متعرف عليه في تفاعلات تَلَقٍّ سابقة. أن لا أستحضرها فهذا يعني قوة انتصار السرد في امتلاك الفرد، وانتقاله من روح إلى روح، في تمثله كملاك يحل سارحا بقلمه وأنامله، فيحدث المفاجأة والاستمرار، وينشد الخلود.

وهنا سأفتح قوسا يلملم ما سبق رقنه، ذلك التمثل "الاستنساخي" بمعنى التناسخ والحلول، بمعنى التناص والتقاطع، بمعنى هيولى الفكر التي تسكن كل مطّلع وملمّ وعارف وعالم، وكل ذلك بشكل نسبي طبعا. أن تسكنك أرواح أشخاص سبق تواجدهم وعيشهم فتملّكتْك إبداعاتهم وأفكارهم وأسالييبهم فأعدت تصوير وإخراج أشكال جمالياتهم التعبيرية والأسلوبية والحيوية، كل هذا سيعنيه ذلك الحلول والتناسخ الصوفي. كل هذا يبين قدرة الإنسان على هذا التفاعل الخرج عن إطار الزمان والمكان والمحيط، فنتحدث عن اللازمن واللامكان وما يرتبط بانفلات عن محيطيهما ووسطهما.

أن تكون ساردا سيعني أن تكون مستبدا داخل ديمقراطيتك، وديمقراطيا داخل استبدادك. أن تكون ساردا فأن تكون أناك التي تشكلك خلاصة ونتاج باقي الأنوات، نتاج معرفة وعلم وأدب وفلسفة عيش وحب وتجارب. أن تكون ساردا، فأن تخْلِص لسرمديتك ومعاركك التي تتسلح بزادها وعتادها، وقد تتخلّص من بعضه في الطريق والسبيل، لكنك تجدد استعماله وتضيف إليه الجديد من ثكنات اللغات والثقافات وعوالم الفنون والجمال ونفائس أعماق بحار النفوس والمحيطات.

هو ذا عالم السرد الذي قد تلحم به الذات، فتحاول عيشها داخله، وتتحدى جهلها ونواقصها وخوفها، لكنها تكون مخلصة له حبا وجهدا وجهادا، عشقا ومكافحة، خاشعة في تعبّدها بمناسكه وطقوسه وكونه الذهني والافتراضي والتعبيري.

قد نصل بهذا الهوس المولع بعالم السرد إلى درجة فناء الذات وخلود المسرود. قد يبتسم الشاعر كما الفيلسوف، كما المتصوف، كما الروائي والأديب، كما الناقد والباحث الموضوعي والجمالي، وهو يرى حبل إعدام أو مقصلة أو حفل حتف لروحه، مقامٌ جزاء على إنتاجه وإبداعه. وهو يعلم أن الخلود قد انكتب مع مسروده وجماله، وهو يُحمَل ليوارى التراب في اللامكان، في مملكة حريته، فتوضع إنتاجاته في كفة، وجثته في الكفة الأخرى، في رحلة عدم يضمنها خلود إبداعه. هو ابن رشد ربما في صورته الدرامية وقد قال: تموت روحي بموت الفلسفة. هو آخرون في وضعيته، كمن رفض وضع عصابة على عينيه حين انتصاب فواهات البنادق لتنفيذ اومر إعدامه: الشاعر فريديريكو غارسيا لوركا.

حسن إمامي