Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Menu
كهف الحمام   ١

كهف الحمام ١

كهف الحمام   ١
كهف الحمام   ١كهف الحمام   ١
كهف الحمام   ١كهف الحمام   ١
كهف الحمام   ١كهف الحمام   ١

بموازاة مع اشتغال حول "الجغرافية التخييلية" و مفهوم "الفضاء" وجدتني اراجع نصا كتب سنة ٢٠١٠ حول (كهف الحمام) بجبل زرهون
ترى، ماذا ستكونه المحاولة؟ 

كهف الحمام :

الجزء الأول 

من أعالي جبل زرهون، تبدو قمم تلال عديدة متفرقة في احتضان السماء، منفتحة على سهل في اتجاه غربي لاستقبال الرياح التي غالبا ما تأتي محملة برطوبة وسحب ماطرة  من جهة سهل خومان . أما الجهة الشرقية، فهي مولية ظهرها لسهل سايس، والذي رغم انبساطه وخصوبته، إلا أنه هو الآخر يعتمد على الممر الغربي الذي يخترقه من جهة وادي بوفكران، بين امتدادين لسلسلتين ، الأولى صغيرة الحجم بالمقارنة وهي جبال زرهون، من على شمال مدخل سهل سايس، والثانية كبيرة الحجم بالمقارنة كذلك وهي جبال الأطلس المتوسط ومقدمتها  المنحدرة من الجهة الغربية الجنوبية.
إذا وقفت أمام مدخل مدينة مولاي إدريس زرهون، تأخذ مشاهد بصرك هذه المرتفعات، باب الرميلة حيث كان السوق القديم، و حيث ممر طرقي يوصل الى محطة البث الاذاعي والتلفزي، و إلى الواجهة الخلفية لمنحدر الجبل هناك والمؤدية إلى قرية موساوة بلاد جبر العظام بالطريقة التقليدية الناجحة غالبا. ثم هناك جبل المصلى فوق خيبر، حيث الأفق الممتد إلى أعلاه يحجب ما وراءه طبعا.  إذ أنك لا ترى مسار قمة الجبل المنفتحة على حياة منبسطة أعلاه، كأنها حوض  فاتح كفيه إلى الأعالي، ومجال تنفس الجبل وارتوائه... 
من اليمين الى اليسار، تلاحظ انعراج السلسلة لترسم حدودها في انحدار يتكتل صخريا كأنه يرفض هذا الانبساط المفاجئ، فيعطي وقفة عمودية شامخة، كشيخ كبير يطل من أعلى بصر منتفخ تحسرا على الأفق الممتد غربا، وترقبا لما يخبئه الزمن والتاريخ، وكذلك ما كتمه القدر للطبيعة والخلائق والبشر... أشجار زيتون متفرقة على منحدرات الجهة اليسرة الصخرية، والتي تعلوها فوهة في الحائط الصخري المتدحرج، كأنها ثقب أو هو كذلك... إنه كهف الحمام أو (كاف حمام) كما تنطقه الساكنة .
يتعلق البصر مشدودا بالثقب الأسود الواشم لجدار الصخور الجبلي. يخترق الثقب فضول المشاهد، يحدث التوجس كما يُحدث الرغبة في التعرف عليه وزيارته واكتشاف أسراره والمجهول الذي خزنه والتاريخ الذي سجله. إنه : كهف الحمام! 
من يريد خوض التجربة للغوص في ذاكرته وعالمه؟
يحضر تاريخ الطبيعة ، كما يحضر تاريخ الثقافة الشعبية والاجتماعية، ويتداخل الإثنان لاختراق هذا الصمت المهول الذي يسكن كهف الحمام.

الجزء الثاني

أن تتسلق الجبل لتصل الى باب المغارة، يحتاج منك جهدا متواصلا لأن الطريق متصاعد وآخذ في وقوفه كجدار مائل... من مدخل المدينة السفلي وأنت آت من منبسط سهل بورياح، ربما تختار الصعود من جهة جبل " الدكانة " المواجه لمدينة مولاي إدريس زرهون.  يأخذك المشهد الغريب، فكأنك في رحلة لاكتشاف أسرار طبيعة غريبة. شكل من أشكال تعبيرها التي تمتلك مفاتيح سره. سأسميها " زهرة الصبار"، ما دامت تأخذ شكل الزهرة في تشكلها وشكل النخل في تفتحه، وشكل النباتات الشوكية في آليات دفاعها عن مكوناتها.
  جريدها أملس الملمس، سميك، حاد الأطراف متشكل بين طبقات ودرجات اخضرار من الانغلاق إلى الانفتاح، كأنها تهب عصارتها لمولودها الذي يكون سهما خارجا من جوفها، يزداد طولا حتى إنها يستعصي علينا الوصول الى ثمرات زهيرته العسلية التكوين، وزهراته الصفراء المظللة لمنتوجه الفريد والحلو المذاق. تاج العروس، هي، باقة زهرية موهوبة إلى أعالي السماء وكل من يطل من أعاليها. معانقة تحتاج إلى الذي يدب ويسير في الأرض إلى أن يحلق عاليا هو الآخر. وتلك حكاية العنفوان مع النمو ومع تجارب الحياة والتأقلم مع الطبيعة والمجتمع والثقافة.

لا ننسى أن عمود (الصابرة ) يستعمل حين يبسه وتصلبه  في بناء أسقف المنازل التقليدية وسقيفات الزريبة و"النوالة"  وغيرها.

وتصعد الجبل حتى تصل إلى الطريق الأسمنتية الواصلة بين الآتين من اتجاه زكوطة ـ المفترق الطرقي بين وزان وسيدي قاسم ونزالة بني عمار من جهة فاس ـ والآتين من مداخل جبال زرهون و أعاليه ومن منطقة وحي خيبر أو زرهون العلوي بوابة القمم والغابات والقرى المتواجدة في بقاعه.

الجزء الثالث

هو طريق إسمنتي لجبل الدكانة إذاً.  طريق سياحي بامتياز. تمر منه حافلات السياح من أجل التقاط صور بانورامية عامة لمدينة مولاي ادريس زرهون. وطريق عاطفي كذلك، يختزن مغامرات وذكريات بين الماضي والحاضر، لكل عاشق واعَد فتاته، أو عاشقة عانقت فتاها.  لكل مغامرات الحب والوصال وخرق جدار المنع والعرقلة التي وضعتها الثقافة الاجتماعية حاجزا أمام التواصل والثقافة العاطفية الغريزية وحرية البوح وأقلمة النفس وخلق توازن لها مع متطلباتها في التفاعل مع الجنس الآخر.
الدكانة، مجال التحضير للامتحانات وقراءة القصص والروايات، والمنتزه الطولي الذي يُستعمل للمشي ورياضة الجري...  كل ذلك مرفوق بمشاهد متنوعة ورائعة لجماليات المدينة. فإذا كانت المدينة حية في أزقتها وببيوتها وشوارعها ، فإنها تكون للواقف أو السائر عبر طريق الدكانة، أطلالا في بعض الاحيان، حيث يفرغها من كل صخبها اليومي، لكي يعيشها داخل نفسه وصيرورة شخصيته الزمنية والثقافية. قد يبتسم وقد يتحسر، كما قد يأخذ حجرة صغيرة يرميها، مُوقعا حركة وصوتا وفعلا داخل الطبيعة، أو مدحرجا أخرى كبيرة مع المنحدر. ردود فعل لا تسلم منها حتى أغصان شجر الزيتون المنتشر على جنبات الطريق وعلى جبل الدكانة الذي يرتبط اسمه بالجانب الشرقي من الجبل  والمطل على المدينة الزرهونية.

قد يوقظك من هذا الهيام مع الطبيعة والسفر مع الذكريات الانتشار الكبير والممتد لمقبرة الدكانة ب"جنان ميناطو" وغيره. من منا  لا يتفكر البسمة الثقافية التي بصمها أحدنا بقوله: يا عباد الله، من عنده اب أو أم أو جد بالمقبرة، فليأخذه لمكان آخر. سأحرث الجنان هذه السنة. - وتلك حكاية أخرى سنفك طلاسمها بعد حين ـ

كم مرة اقمنا محاكمة من طرف واحد لوزارة السياحة و إدارة القطارات والحافلات بسبب الصورة المكبرة المأخوذة للمدينة والتي كتب اسفلها "مدينة شفشاون ". حينما كنا نسافر مع العائلة أو مع جمعيات التخييم، كنا نحتج إلى درجة الحاجة إلى البكاء، حين رؤية هذا  الخطإ على الجداريات في مدن ومحطات متعددة للسفر. أهو خوف من زوال المدينة من الخريطة مع ابتعادنا عنها أم احتجاج عاطفي نوستالجي مرتبط بالسفر؟ والغريب أن الصورة استعملت لعقود ولم تحدث رجة تصحيح معلومات وغيرها.

ولم نصل بعد إلى موقع كهف الحمام.أ هي الطريق التي تطول أم الرحلة النفسية والوجدانية والنوستالجية التي توقفنا في محطات متعددة  ؟

الجزء الرابع

في مواجهة القمة التي تحتضن في جوفها كهف الحمام، قبل أن تصل إليها لابد لك أن تنعرج بين ملتويات الطريق الإسمنتي. تُولِّي ظهرك لمنظر المدينة البانورامي، وتتوغل داخل الطبيعة. تطوي صفحة التفاعل مع المجتمع المديني وأطلال حياته، تعانق الطبيعة بأشكال وأحجام أحجارها وأشجارها وشعابها. ها هو جدار التسلق للكهف. بعد بضعة أمتار من ولوجك الأرض المتربة وسط جنان الزيتون، ستضطر لاستعمال خطوات قفز وتثبيت في اتجاه صاعد إلى الكهف.
أستحضر روايتين، وتخونني الروايات الأخرى. لازلت في حاجة إلى إرواء هذا العطش المعرفي. لن يهدأ لي بال حتى أستطلع المعارف والحكايات المرتبطة بكهف الحمام. لن أكتفي بما عندي، فربما أقصر في خط هذا الكلام العاشق لمعانقة روح كهف الحمام وتاريخه الطبيعي والثقافي. بين الموضوعي والأسطوري ستكون رحلتي إذاً. ترى إلى أين ستوصلني؟ أخاف أن تصبح روحا تسكن كياني، فيضطر المجتمع إلى التخلص من اندهاشه وخوفه وجهله، فيقول: مسكين مسكون بسبب الكهف. كم من الأشخاص نسبت لهم هذه الحالة. ما له؟ ما به؟ يكون الجواب: سكنه الجن في منبع الماء. ذهب ليلا إلى الوادي ، فأزعج الجن في مقامه... أو هي جنية تزوجته، لن تفارقه أبدا. تُرى ما المفقود العقل أم العشق ؟ الإشباع أم الحرمان؟ ترى ما الطارئ؟ غياب الارتواء والحق في رغبات الحياة إلى درجة رد قلق وتذمر الفقدان إلى تدمير الذات، فيكون تدميرها بأحد مكوناتها... ولعل أهم هذه المكونات التي يظهر عليها التأثر بهذا الحال هو النفس. هو انعدام التوازن الداخلي بين العقل والوجدان والرغبات النفسية. استعمال الحواس والحركة. لكن ، ما دام منطويا، رادًّا أزمته إلى دواخله، سنقول مسكون بالجن. لو أنه فجَّر انفعاله وتوتره خارجيا، سنقول أحمق مسه شيطان شرير... وكم من حالة ضياع في المجتمع بسبب هذا الجهل وهذا الإسقاط السهل لجعل حد لتماديه على أنفس الآخرين... كم ارتدعنا بهذا الخطاب. تم تخويفنا بالجن في الظلماء، في مجاري المياه، في صب الماء الساخن في مجرى مياه مستعملة، في التصفير داخل المنزل... كم تعلق بأكتافنا هذا الخوف رافعا لأعصابنا كأسلاك وخيوط أراجوز، تجعلك في هستيريا الاستسلام والرغبة في البكاء والارتعاش والهرولة حيث لا تجد ركبتين للهرب !
أترى سأتخلص من كل هذا في صعودي للجبل وولوج الكهف؟ تستحضرني الزيارة التي قمنا بها نحن جماعة أصدقاء لموسم سيدي علي بن حمدوش، ونزولنا إلى حفرة الجنية لالة عيشة... كيف ترددت خطوات بعضنا خوفا من اقتحام دائرة الشوافات والممارسات السحرية والشعوذة بامتياز... وخصوصا أن لالة عيشة أكبر الجنيات تأثيرا في عقليات ونفسيات شخوص مجتمعنا، تستحق أن يجعلوا وزارة لالة عيشة الرادعة الطالبة للاستسلام والتسليم، لكي تشفع لنا في عالم الجن والأمراض العقلية والنفسية، وفي عالم الاولياء، حيث هي خادمة سيدي علي بن حمدوش، وخادمة سيدي أحمد الدغوغي. وحتى إذا ذهبت إلى مدينتي الجديدة وأزمو، وجدتها خادمة للأولياء هناك وللبحر. فهي بحرية وبرية. طقوسها بدائية، ورقصاتها بعري هستيري وتخلص من نظام أخلاق ديني، وتسليم الرغبات والغرائز لأهل المكان.  كل ما أمروا به منفذ، حلال. لا لوم ولا حساب عليه لا في الدنيا ولا في الآخرة. يدخل في أساليب العلاج وضروراته... والضرورات تبيح المحظورات كما في الشرع الديني. يمكننا بكل هذا، التفسير والجواب على سؤال: لماذا تلك الظواهر الغريبة في المواسم المرتبطة بهؤلاء الأولياء.
لماذا يحضرني كل هذا  الزخم من التفكير؟ أتراني أتسلح بسلاح معرفي وطلاسيمي لمواجهة فوهة المغارة أو الكهف؟ أتراني مسكون بخوف من كل هذا؟ مسألة طبيعية ما دمتُ قد تربيت على هذه الثقافة داخل مجتمعي، وكانت نسيجا متداخلا مع سلوكي وشخصيتي.

لنعد الآن إلى الروايتين الحاضرتين في الذاكرة: