Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Menu
الحداثة ومدخل البنية النفسية:(1)ـ

الحداثة ومدخل البنية النفسية:(1)ـ

الحداثة ومدخل البنية النفسية:(1)ـ

الحداثة ومدخل البنية النفسية:

 

هو جانب نلاحظه في مجموعة من النقاشات التي تتم بيننا وداخل تجمعاتنا. ملاحظات تتعدد وتتنوع بل يمكنها أن تكون غريبة غرابة طبيعة التناقضات التي ستفرزها وتجليها. وربما سنكتفي هنا بتحليل ثلاثة أشكال من هذه التجليات، وقد يسعفنا المجال للإشارة إلى غيرها.

1ـ رفض الحداثة لأنها مجال للانحلال والاستلاب.

2ـ استغلال شعارات الحداثة في القول بالحرية لأجل تفريغ المكبوت والإفراط في ذلك.

3ـ تجلي خطاب الكبت الذي يعبّر عن انفصام وازدواجية في الشخصية حينما يمارس الفرد خطابا تحرريا رغبة في تحقيق شهواته الغرائزية، واستعمال نقيضه حينما يريد التغطية على انحرافاته.

في كل هذه الحالات نلاحظ ارتباط الحداثة بالجانب الأخلاقي والقيمي والسلوكي، وانتقالها من التحقق الموضوعي إلى التفاعل الذاتي بينها وبين متلقيها والمعني بها ألا وهو الإنسان.

سيتجلى لنا هنا أن العوائق التي تحول دون تحققها بشكل سليم هي عوائق نفسية وسلوكية مرتبطة بشخصية الإنسان أولا وتشكيله الثقافي والاجتماعي العام.

1/ رفض الحداثة لأنها مجال للانحلال والاستلاب: هو موقف واضح، ولعله متشبث بالنقيض. فأن ترفض الحداثة يعني أن ترفض مشروع تجديد العقلية والقيم والأخلاق وأشكال العلاقات والمعاملات التي جاء بها العصر الحديث ، خصوصا في الجانب الذي يبدو مناقضا للقديم. ولأن المسألة مركبة ودالة على أن المجالات متداخلة في تبنّيها حين الكلام عن الحداثة، فإن الجانب النفسي يرمز لقابلية الذات من رفضها تجاه الموضوع المشترك الذي ستفاعل معه أو ستتموقف منه. فالجانب النفسي يأتي من القناعة ومن الرضا ومن القبول ومن الاستحسان المرتبط بالطبع وبالعقل وبالنسق المجتمعي الذي سيستقبل هذا الجديد الحداثي.

لكن الحكم على الحداثة بأنها انحلال واستلاب ليس بجديد ولا غريب. ذلك أن المقدس هو ما نمتلكه وننطلق منه تاريخيا وعاداتيا، والمدنس هو ما يمكنه أن يأتي من الآخر. هذا الغريب الذي ليس دائما مُرَحّبا به، ما دام العالم يعرف الصراعات والحروب والتنافس الدموي عبر العصور. هذا الحكم تولّد بين مرحلتين، الأولى هي القرون الوسطى، والثانية هي مرحلة العصر الحديث. نتحدث هنا عن مرحلة الإقطاع ومرحلة ظهور الرأسمالية. حديث عن فكر ملتحف بالدين لأخذ الشرعية أو صانع لخطاب ديني للحفاظ عليها كما على مصالحه، فبنى بذلك منظومته الهرمية لمجتمعية والمؤسساتية التي تخدمه بالقوة أو بالخضوع المقنِع. وفكر جديد تبنى فلسفة جديدة تطورت إلى خطاب ليبرالي متحرر من الدين وداعٍ إلى الحرية وإلى بناء حياة وسلوك ومعاملة وتصرفات جديدة. هكذا كان لتطور الفكر والفلسفة والعلم صدمات وجِّهت للفكر التقليدي خصوصا في أوربا. لكن هذه الضربات المباشرة في الغرب ستأتي بأشكال مباشرة وغير مباشرة في باقي أنحاء العالم. ولذلك نرى جدليات التطور المرتبطة باللبرالية والرأسمالية وبنقائضها الجديدة اليوم وعبر مراحل التشكل والتطور والتغير.

وحينما نريد إقناع الإنسان بخطاب معيّن فإننا نلجأ إلى منظومة قيم ومبادئ أخلاق، نقارن وندحض ونعطي البديل، وندنس هذا في حين نقدس ما نريد... لذلك لا غرابة  أن نلاحظ اليوم الانتقاد الموجه للحداثة بكونها انحلال أخلاقي يفسد التربية ويقضي على الاستقامة ويخرب بناء المجتمع المتماسك... انحلال يعني أن هذا الخطاب الجديد ليس لنا ولا يليق لنا كثوب ولا هو بمقاسنا، هو انحلال يبتغي تحقيق الاستلاب والتبعية وانمحاء الشخصية وغياب الإرادة والاستقلالية والوقوع في فخ وشرك خدمة مصالح وتفوق الآخر بمقابل ذل الذات وضعف المجتمع... ولعل مبررات كثيرة يمكنها أن تدعم هذا الرأي مثل القول بظاهرة الاستعمار وما أنتجه وما آلت إليه سياسة التبعية اليوم لهذا الغرب الرائد في مجال الحداثة. ما يعطي الشرعية لخطاب التمسك بالأصول أي بالنقيض وجعلها المنطلق لكل بناء وكل حل.

وهنا يمكننا الإضافة أن الحرية الجديدة التي اخترقت مجال القيم والأخلاق والسلوك والمعاملة، خصوصا عند فئة الشباب من كل مرحلة تاريخية، خلقت صدمات مناقضة لمنظومة القيم وأحكام الشريعة والفصل بين الحلال والحرام. وهذا محور الرفض الواضح، أي التناقض مع الشريعة ومع مبادئ الدين.

أستحضر هنا قبل الانتقال إلى العنصر الثاني من هذا التحليل قضية المرأة وتحررها والتي دعا إليها المفكر المصري قاسم أمين. كيف دافع عن حريتها وحقوقها، فجاءه شخص يطلب منه أن يسمح لزورجة قاسم أمين ان تذهب معه إلى قاعة السينما ليلا. ما فاجأ المثقف والمفكر واستنتج معه على ان الفهم كان خاطئا لدعوته التحررية. ونضيف كاستغراب استنتاجا مرتبطا بهذا المثال: وهو فهم البعض للحرية وللحقوق على أنها تفريغ المكبوت وتصريفه بطرق غرائزية، وكذا أن التحرر هو فعل ما هو حرام وما هو خيانة وتمزيق لثوب الأسرة ولبنائها التربوي والأخلاقي. وطبعا كل هذا بعيد عن التصور الذي بنى له قاسم امين مشروعه في الدفاع عن حرية المرأة. ليتبين لنا أن الإنسان الفرد والذات هو في صراع يومي مع غرائزه قبل أن يسمو إلى فكره ووعيه الناضجين والموجّهين للسلوك. فمتى نستطيع الوصول إلى ذلك نكون قد بنينا مجتمعا جديدا وراقيا.

2ـ استغلال شعارات الحداثة في القول بالحرية لأجل تفريغ المكبوت والإفراط في ذلك:

ومن المثال السابق يأتي الحديث داخل هذا لالمحور عن ظاهرة باتت مرتع التشويه لمشروع الحداثة. ذلك أن الوعي يصبح غائبا والتصريف الكبتي والغرائزي يصبح مطلوبا. فالحداثة ليست تسيبا في تلبية الغرائز وكسر طوق الأخلاق بدون تصور أو مشروع مجتمعي. بالعكس الحداثة مشروع مجتمعي ينبني على تصور سفلسفي وعمل سياسي وتطوير دستوري وقضائي وتنزيل ديمقراطي للحقوق والواجبات وعدالة تحقيق للمصالح وكرامة عيش للمواطن(ة).

يمكن التشبيه هنا لهذا التشويه بعمل المرتزقة الذين يفرغون رصاصهم ورشاشاتهم مع من يدفع لهم أكثر. ليست لهم قضية ولا مبدأ يؤمنون به أو يدافعون عنه. المادة بفعل القوة من أجل المادة والحياة المادية بدون قيم أو أخلاق مبدئية.

قد نلاحظ هذا الخطاب كسلوك وممارسة في يومي الحياة داخل المدن على الخصوص. ذلك أن هناك مرافق تحتوي وتحتضن هذا الهامش لأجل الاستغلال والربح الماديين. مرتقزة ىخرون باسم الحداثة أو الدولة المدنية الجديدة، وهو فقط نتاج منفلت لسيرورة مرحلة منفلتة في التحكم والتوجيه والتأطير. 

ولعله سلوك ليس بجديد. فعبر التاريخ كانت هناك فئات تستغل الفراغ لأجل تحقيق غرائزها وشهواتنا والعيش انتقام من كبت نفسي تعانيه وحرمان شخصي يتشكّل عُقَدا عندها. فحتى في أوج بناء الحضارة الدينية إسلامية كانت أو مسيحية، وجِدت مثل هذه الفئات وهذه التصرفات وهذه المبررات.

ومع هذه التناقضات تتشكل عقد أخرى مرتبطة بحرقتها داخل البنية النفسية للشخص. فهو في تكوينه الداخلي يعارضها عقديا وأخلاقيا، يرفضها لأهله وذويه، وفي تصرفّه الخارجي باحث عنها لكن خارج إطار المراقبة أو المتابعة. ولعل ساحتنا المغربية يرتع فيها مثل هذا النموذج داخل دوامة مريرة بين الوعي والممارسة. فنجد العمل تحرريا بينما الخوف المستبِد بصاحبه مرَضيا وتزيد الطين بلّة إذا كانت بنيته النفسية مشدودة بالحكم الاخلاقي والقيمي حول التصرف الذي هو منغمس فيه ورطة. هكذا يكون الشعور بالذنب وتأنيب الضمير كل مرة عدم الرضا بالذات مرات... حالات تفسر الشخصية بأنها تعيش وضعا مرَضيا غير مُرضٍ.