أنثروبولوجيا المشاهدة السينمائية ( 4 )ـ

رجوعا الآن إلى خلفية و ظهر المرآة المختفي و المتلبس و ربما الصدىء للرؤية الانثروبولوجية في المشاهدة الإعلامية ككل، و التلفزية ـ السينمائية على الخصوص، سنرصد وظيفة الشاشة في تمرير أشكال الخطاب المكرسة للرؤية الاستعمارية القديمة المحتقرة للشعوب المستعمَرة قديما. كذا رؤية الشعوب غير الغربية من طرف العيون الغربية التي تصنع زاوية الإخراج و الإنتاج للمادة الفنية السينمائية و التلفزية وغيرها عند الغربيين.ـ

لا زالت وظائف استشراقية و استعمارية قديمة ـ جديدة، محتقرة للمتلقي غير الغربي.إنا نلاحظ مجيء شركات الإنتاج مناجل التصوير السينمائي ببلادنا المغرب، أو بغيره من البلدان العربية و الإسلامية، الإرفيقية أو الآسيوية. قد تبدو المسألة مربحة سياحيا و صناعيا و تجاريا، لكنها ثقافيا و حضاريا تنتج خطابا محتقرا للشعوب. تصور البطل غنسانا غربيا و ناجحا و متحديا، و تصور الأنام بدائيين متخلفين، معارضين ليم الحضارة و المدنية, وسخين و قذرين، عرائزيين في التعامل و تحصيل اللذات على حساب الكرامة و العقل و التمييز الحضاري الذي ينوّر شخصيتهم.ـ

هكذا تُستغل الأوضاع المزرية للناس في تصوير مشاهد تكرس رسالة التفوق للإنسان الغربي، و رسالة التخلف و البدائية للإنسان دونه بحكم القيمة الغربي في دونيته.ـ

ما يؤسف له، هو أننا نستهلك هذه المادة بنهم و جهل دون انتقاد لرسالتها، و دون غربلة لكمياتها المتراكمة تلويثا لحواسنا و تضبيعا لعقولنا. نتفاعل مع البطل الذي ما ينفكّ يمرغ ثقافتنا و شخصيتنا في دوره البطولي. نتعاطف معه لدرجات رغبتنا في قتل رمزيات ثقافتنا و هويتنا المُسَخّرة في المنتوج المشهدي الفني السينمائي سلبيا. ليَحيا البطل و لتدمّر العناصر الأخرى المشهدية. و بالتبع سيخرج من هذه المشاهدة مفتتا في دواخله بين رحلته في المتعة الفنية و اجتثاث ثوابته الثقافية من خلالها. و طبعا يكون السيناريو تفكيكا لدعامات ثقافته المحلية وتخريبا لها. و نادرا ما ينتصر الإنتاج الفني للثقافة المحلية و حقوق شعوبها و كرامتها.ـ

الرسائل السياسية و تصفية المحطات التاريخية في المعالجة المناهضة لقضايانا الوطنية و القومية، و كذا للقضايا العادلة للشعوب المستغلَّة، كلها حاضرة في هذا المنتوج السينماي العالي الجودة فنيا و تقنيا، و الرديء قيميا و أخلاقيا و تاريخيا.ـ

هكذا ستتحقق الدراسة الانثروبولوجية بوقعها الرجعي حتى في تناولنا لها. ذلك أنها بدأت استعمارية و استشراقية، و ها هي الآن تطفو بنفس الصور في هذا التحليل. بينما بدأنا تحليلنا بدورها الإيجابي و سلبية تلقينا لها و سوء استعاملها من طرفنا.ـ

معالجة متناقضة تبرهن على جدلية التعامل و ضرورتها. إذ لا يمكننا إلغاء الواقع أو القفز عليه. و بدل ذلك يجب علينا أن دخل غمار معركته التي تغربل و تنتقي و تصفيه من سلبياته و تطوِّر إيجابياته في ذواتنا و شخصياتنا كما في ثقافتنا و تربيتنا و وعينا و سلوكنا.ـ