فرطاس الجبل ـ 11 ـ

13 ـ

لقد قرر السيد فحص الخالدي تخصيص بحث مفصل و متجدد لظاهرة (المزاوﮜة)، عساه يعثر على عناصر جديدة لهذا المفهوم العميق في الثقافة السياسية والاجتماعية و الدينية المغربية على الخصوص. فما دام بحثا في الشجرة و فروعها المتطورة و توظيفاتها المتشعبة حياتيا، فلا بد له أن يجعل أساس غرسها أصيصا معتنى به و مكتملا في مواصفات الرعاية لشجرة قد تكون في حجمها أكبر من إطاره.

قد لا يمل الانتظار، ما دام مرتبطا بحقائق جديدة لا بد من حضورها و تأثيث مشهد البحث بها. و قد لا يستغرب لغرفة مكتبه و كيف أصبحت مختبرا للبحث الهندسي بخرائط و وثائق جديدة. نسخة الشجرة و قد علّقها في جانب من المكتب. دوائر تخترط تلك الخرائط و تحمل أرقاما و ألوانا مميزة بينها. أجندات متوسطة الحجم وقد أصبحت عند فحص الخالدي جذاذات تحمل على ظهرها (إتيكات) معنونة. وكان العنوان الجديد الموضوع بخط احمر هو ( المزاوﮜة ). بحث عن جذر اشتقاق في المعاجم. استعان بزوجته شادية في البحث. انتظر لقاء ثلة أصدقائه من الأساتذة الجامعيين. و قبل ذلك بعث لدائرة تواصله الاجتماعي المغلقة، و التي تضم بعض أصدقائه و طلبته المميزين في مسالك الدراسة بالماستر أو الدكتوراه ـ هؤلاء الذين يحتاج لمواكبة جديدهم دائما ـ...

أفاده هذا التواصل الاجتماعي عبر شبكة الفايسبوك أكثر. خصوصا و أن مناقشة أساتذة الكلية ستنتظر حصولها المؤجل...

كان تواصل يوم الاثنين مفيدا. خصوصا و أن محاوريه قد بحثوا أو فكروا فأفادوه بما هو متعطش لمعرفته أكثر. استغرب لانفلات هذا المفهوم عن دائرة وعيه وضيق حضوره الدلالي عنده. لكنه استنجد بالبيت الشعري الذي أصبح قاعدة للنسبية و التي تقنع كل واحد بها: لكل شيء إذا ما تم نقصان. ترحم على الشاعر، و دوّن الإفادات التي حصل عليها.

التدوينة الأولى المهمة، أشارت إلى جذور الكلمة في اللغة الأمازيغية و درجة حضور مجموعة من الكلمات الأمازيغية في التداول اليومي للكلام بالدارجة العربية المغربية. أشار داخلها الطالب الجامعي محمد بقالي وجود كلمات ومعطيات معجمية كثيرة أمازيغية في الأسماء و الأفعال و حتى في حروف الربط. و استحضر كأمثلة على ذلك:

ـ كلمة ( هضر ) و التي معناها: تكلَّمْ. و هي كلمة امازيغية.

ـ تعبير ( أنا مزاوك فيك )، تعني أتوسّل إليك. و كلمة (مزاوك) أمازيغية، أصلها فعل ( زوﮜ ZUG) ـ كما دوّنها كتابة بالحروف اللاتينية. و معناه أن يتعرض شخص ما للنفي أو الهجرة القسرية.

ـ كلمة ( تامارا ) و تعني العمل المضني. و هي كلمة امازيغية كما تدل عليها بنيتها المورفولوجية.

إضافة إلى كلمات ( تنغراد ديال )، ( ساروت )...

كأس رحلته الذي حمَل نسائم نعناع معطرة شايٌ يحتضنه براد فضي صغير... فاكهة يابسة يقضمها و استراحة محارب من عناصر تدمير... هكذا كان شعوره خلال هذا اليوم الذي استنشق فيه هواء الغابة و تواصل فيه مع أفراد أفادوه فعلا في بحثه عن المصطلح المفتاح لموضوع الشجرة و عقدة الترحال لعناصرها الحية.

قارن بين شجرتين. الأولى ميتة داخل الأوراق، لكنها حية في خط الزمن، و الثانية حية بين دروب الحياة، فاعلة في عقول الأفراد و تجمعاتهم... الشجرة الثانية لها فروع لا تستطيع الأولى تدوينها أو ضمّها... ربما إقصاء لها و اكتفاء. و طبعا النظام الأبيسي يعترف بتناسل الذكر من الفروع لا بالأنثى. سيكون الاستثناء في منطلق الجذع. أم الجذور فتلك حكاية أخرى أوسع دائرة و إخفاء لغابة من الأشجار ليس الوقت مناسبا للسفر داخل أجمتها. تذكّر أن ابنته شادية تريده هذا المساء بعد عودتها من العمل في بداية هذا الأسبوع الثاني من شهر يناير لموضوع مهم. أبعد الاحتمالات السَّلْبية، فهو يضع كل ثقته في ابنته التي صاحبها أكثر مما شكّل لها أبا ذا سلطة و نفوذ... كان عليه أن يتخلّص من اشتغاله على هذا المصطلح، لكنه سرعان ما أُخِذ إلى رحلة مكالمة هاتفية ولّها التواصل الاجتماعي على صفحة الفايسبوك. و كان المتصل هو صديقه في كلية الحقوق و الاقتصاد السيد منير قنديل. تبدلا التحية و السلام و عتاب الغياب و عدم اللقاء. دخل السيد منير مباشرة في حواره حول المصطلح:

ـ سي حفص، أثرت نقاشا على صفحة الفايس حول كلمة المزاوﮜة، و لم أرِدْ أن أرد على بعض التدخلات التي قرأتها هناك احتياطا حتى لا أُفْهَم بأنني أقصي رأي الآخر أو أُخَطِّئه... و تعلم لا أطيق الإطالة في الحضور في هذه الشبكات كما لا أستطيع أن أكتب فيها بردود و إجابات... ها أنت أتحت لنا فرصة المكالمة الهاتفية و نحمد الله على أنك بألف خير..

ـ شكرا سي منير... هي المشاغل تُبعد بيننا في اليومي الذي لا ينتهي...

ـ رجوعا إلى موضوع المزاوﮜة سي حفص، نجد في العلوم السياسية المُدخل و المُخرج. في آليات المُدخلات في النظام السياسي المغربي نجد من بين المُدخلات المزاوﮜة. هي بنية سياسية وقعت في عهد الزوايا، و هي آلية من آليات التحكيم الروحي، وعلاقتها بالقصر الملكي. مثلا سنة 2006 جاءت جماعة إلى ضريح مولاي إدريس الذي بدا لي من خلال مناقشتك في الفايس على أنك تشتغل عليه في هذا الموضوع، و طلبت أو قامت بالمزاوﮜة، في غطار إرجاع الحق و مطالبة القصر بالدخول و التحكيم في هذا الإطار. المزاوﮜة هي مفهوم التحكيم الروحي بمعناها السياسي الدقيق. يلجأ الناس للضريح لكي يتدخل السلطان. باعتبار أم الملك سلطة روحية فإنه يتدخل في هذا الإطار. و التحكيم ما يزال تطور ليصبح تحكيما قانونيا بعد أن تطوّر عرفيا. مثلا عندما تختلف الأحزاب السياسية الان، تلجأ إلى السلطة العليا في إطار التحكيم السياسي للسلطة بمفهومها الدستوري. إذا لاحظت هذه الأيام كيف ذهبت لتقديم الشكاية من هيمنة حزب معين و إقصائه لها في التشاور أو في الاعتبار لحضورها ديمقراطيا كمعارضة...

ـ أستاذي العزيز، أنظر إليها من ازوية اجتماعية و انثروبولوجية دينية.. المزاوﮜة، و الشفاعة كصورة لها. فرغم الجرم المرتكب يتم طلب العفو و التطهير الديني و رفع العقوبة... قد نجد في الغرب مصلا كتابة رسالة إلى رئيس الجمهورية لكي يعفو.. رسالة عمر الرداد إذا تكرت معي ذلك...

ـ سي حفص، هناك سلطة روحية للسلطان هو الذي يسمح أو لا يسمح. الفصل 19 من الدستور القديم أو 21 من الجديد (لا تنتهك حرمته)... تجعل له سلطة التحكيم السياسي و الديني... و هناك سلطة دينية على الزوايا تجعل السلطان هو الذي يقبل أو لا يقبل أي مزاوﮜة.. ترتبط المزاوﮜة بإرجاع الحق. و لو سمح السلطان يتم تعويض أهل الطرف الآخر الضحية... لقد تطور المفهوم إلى أن صيغ مفهوم التحكيم.

ـ يبدو أن المفهوم له طابع ديني.. هناك حرم مكاني يلجأ له (المزاوﮜ) لا يخرج عنه... وهذا ما أشتغل عليه مع قصة شخص قتل ابن قايد في منطقة و زاوﮜ في حرم ضريح في منطقة أخرى... فرق مهم موجود في هذه الوضعية و هو ان القاتل له شجرة انتماء كشريف و يستفيد من ظهير شريف في الرعاية و الوقف عليه من أموال الأحباس و الأوقاف كما تعلم في استفادة الشرفاء من ريع ديني وتاريخي...

ـ كنت أريد أستاذي أن أشير إلى الفرق بين الحكم و التحكيم... فالمزاوﮜة هنا تحكيم و ليس حكما.. و هذه مسألة مهمة جدا... الحكَم يدخل في السلطة الأبوية، سلطة الفرد... و التحكيم يطلب الوسيط

ـ تعلم سي منير ان وظيفة هذا المفهوم قديمة و موجودة قبل الإسلام عند قبائل شبه الجزيرة العربية...

ـ وفي صعيد مصر كذلك... لقد تطور من عند ممارسة العشيرة له ثم القبيلة ثم الزاوية فالدولة الآن... و اماذ أقول لك سي فحص؟ إنك عزيز عليّ  كثيرا و عزيز عليّ أن أناقش معك مثل هذه المواضيع... بالأمس استحضرناك أنا و سي عبدالحق المومني... يعزّك كثيرو يحبك ذلك الإنسان، و الله العظيم...

ـ المحبة في القلب متبادلة سي منير... كلكم في القلب.

ـ حيّاك الله سي فحص. إلى اللقاء.

ـ إلى اللقاء.