الإنسان كقيمة ثقافية 3 ـ أ

الإنسان كقيمة ثقافية :

مدخل الإعلام و التربية :

تنطلق الرؤية الثقافية في استراتيجيتها من الرقي بالمفاهيم و التصورات و تلاقحاتها و تقاطعاتها بين مختلف الحقول المعرفية و الاجتماعية و الإعلامية و الحياتية. الغرض منها تحقيق القفزات النوعية في الوعي البشري. ذلك الوعي الذي يجعلها تتجاوز كل المعيقات و المثبطات التي تمنع التطور الراقي و الناعم بالإنسان كيفما كانت لغته أو جنسه أو ارتباطاته الجيو  سياسية أو الاجتماعية أو غيرها.

لذلك سيكون مدخل الإعلام و التربية و التعليم من أهم المداخل و ليس وحدها في الاشتغال على هذا المنظور و تطبيقه في مشروع الرقي بالإنسان كقيمة ثقافية.

و ستشكل المؤسسة التعليمية و التربوية و الثقافية ذلك الرحم الثقافي و المعنوي الذي سيتكون و يتطور داخله الإنسان الثقافي.

من هذا المنظور يكون الوعي الجمعي المتوافق عليه منطلق هذا التصور الذي يستشرف حلولا للمستقبل تتجاوز العوائق و العناصر التي استنفدت صلاحيتها في الماضي و الحاضر القريب.

إن مفهوم القيمة يشكل البنية التحتية للكرامة الإنسانية التي تنشدها الشعوب عبر التاريخ البشري. و إنها كذلك بنية التصور الحضاري الذي جعل الدين الإسلامي ينفتح بمشروعه على مختلف الأجناس و الثقافات. كانت الآية المنطلق شعارا يغري بالجديد في مرحلة القرون الوسطى، و ما زلنا نرى صلاحيته اليوم، مع اختلاف الحدود النسبية لمعايير التكريم و الاعتبار للإنسان الفرد، حتى نكون منفتحين على كل تطور حضاري جديد. يقول تعالى في الآية الكريمة : ( يا أيها الناس، إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا، إن أكرمكم ند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير ). من سورة الحجرات ـ القرآن الكريم.

و إن الكرامة تستدعي العدل و الإنصاف و توفير الحقوق و محاربة الظلم و البغي و الفساد السياسي و الاقتصادي. لذلك ستكون منظومة مركبة كما سبق ذكره في التعامل مع مفهوم القيمة الثقافية. و لذلك ستكون النسبة إلى الثقافة ذلك التركيب المنسجم و التصور المفاهيمي المتوافق عليه و الذي يرقى إلى تطوير الإنسان و الرقي بوعيه و سلوكه. و تلك مهمة التربية و التكوين و التعليم.

أما عن مدخل الإعلام، فإن التصور أصبح متطورا مع التطور التكنولوجي و الحضاري المعاصر. ذلك أن فلسفات التواصل المعاصرة جعلت منطق الحياة الجديدة للبشرية و مصالحها في ترابط مع عمليات التواصل و تنظيم العلاقات في مختلف المجالات، و كذا تحقيق فعلي لإرسال و تلقي يُسَرّع إنجاز المصالح و الوصول إلى الأهداف المبتغاة.

أفكار بسيطة، لكنها منطلق لاستقراء الواقع و فهم سياساته و تغيير حاله. المنطلق نقد واعٍ و هادف للتغيير الإيجابي.

فهل واقع التعليم و الإعلام يشرف خدمة الإنسان و تحقيق كرامة و حياة شريفة له؟ ام بالعكس، إنه يخدم نقيض ما نترجاه كأمنيات مثالية في تصوراتنا؟ ذلك مفتاح يشرع باب الحقيقة و تشرق معه شمس صباح متجدد بالحياة للبشرية.