Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Menu
التشظي في المسار الثقافي المغربي

التشظي في المسار الثقافي المغربي

قد يبدو العنوان اتباعا لموضة المصطلحات التي تروج، لكنه اختيار يروم إشراك العقول في صياغة مفاهيم و تركيب و تحليل لقضايا تتقاطعها الأذهان و تلتقي فيها الفهوم.

المسار هو للتاريخ، و لن يكون أي تاريخ. هو التاريخ الموضوعي لمجتمع معين. المجتمع المغربي الذي ينشد المستقبل الأفضل، لكن بحدسه يريده بتغيير ناعم يتجنب الجروح و الشروخ. و هو أمر قد يبدو مثاليا و حالما في أفق تغيير حقيقي. قد يكون بطيئا  بل أبطأ من تشبيه السلحفاة. قد يكون ساكنا، حيث لا يحقق مراده و لا يتغير و لا يتقدم إلى الأمام.

هذه الاحتمالات واردة في التشكل و التجسد. فماذا عسانا سنرسمه لمسار المجتمع المغربي اليوم و غدا؟

سنرسم خريطة للحقل الثقافي و الحقل السياسي، ما داما هما الفاعلان الأساسيان في التحول النوعي، بدون إغفال البنى التحتية و المقومات المادية و اللوجيستيكية المؤهلة للتطور و التقدم.

إن بعض المحطات الزمنية في التاريخ قد تشرع لك مفترقات الطرق، و قد تبين لك آفاقها النهائية، على الأقل في مدة و مسافة و مجال. و أنت تنتظر تحقق المسار مكتملا في السير و متوازيا في القيام بالمهام الموزعة و المتكاملة، تلاحظ أشكال التعثر و التراجع في المسار الثقافي و مشروعه الذي رسمه كطموح و كبرنامج يريد تحقيقه.

سيكون الأمر انطلاقا من أهداف صيغت و سطّرت في البرامج التعليمية و التربوية. كذا في البرامج الرسمية لقطاعات وزارات الثقافة و الشبيبة و الرياضة و قطاع التعليم العالي و البحث العلمي و غيرها من القطاعات المتقاطعة في تقاسم مشروع التأسيس لحياة ثقافية صحية و سليمة و سوية لمجتمع نريد له التقدم و التطور لكي يصبح في مصاف الدول المتقدمة.

هذا المسار الثقافي الذي رسمته أجيال عبر تاريخها الحديث على الأقل، تجدها مكافحة و حالمة بغد أفضل لمؤسساتها و أفرادها وجماعاتها من أجل تطويره. حاملة على كتفها أغصانا و شتائل جديدة، تريد غرسها في حقول العقول البشرية. فماذا عساها حققت؟ و ماذا عساها وصلت إليه؟ و ماذا عساها جعلته كأولوية في مشروعها الثقافي و الفكري؟ و كذا في اختياراتها و قراراتها و فعلها السياسي؟

الجواب أو محاولة الجواب على مثل هذه الأسئلة التي قد تبدو بسيطة، سيحدد لنا واقع الثقافة في بلادنا اليوم. و درجات التحضر و الرقي المجتمعي الذي به تقاس في تطورها و تقدمها.

إن تاريخ المغرب الحديث، و هنا سنتحدث عن خيارات مرحلة الانتقال من حماية فرنسية إلى استقلالها النسبي، عرف توزعا بين تيارات سياسية متناقضة افرزها التعدد الحزبي و الصراعات السياسية و النضالية التي عاشه بلد المغرب خلال سبعة عقود على الأقل.

هو واقع تشظٍّ عرفته الحياة الثقافية، و أثرت على الاختيارات التربوية و السلوكية و التنموية المؤسساتية و كذا على العقول المدبرة لمراكز القرار، كلٌّ بحسب مستواه و منصبه.

هو تشظٍّ نعيش فصوله المتزوبعة بامتياز اليوم. ذلك أننا نمتلك سفينة برباببنة متعددين، و رؤوس متنوع في القيادة. يتمزق جسدها فلا يكون ذلك التمزق سوى ألما للجسد المغربي الذي يشكلها. و ما يكون ذلك سوى مزيدا من فقدان الإبحار الصحيح نحو مرافىء الأمان لأجيالنا الحاضرة و الناشئة.

لعلنا اليوم في حاجة إلى إعادة توحيد برنامج ثقافي مشترك و متقاطع يخدم مواطن اليوم و الغد. برنامج يدخل جميع الفاعلين في تحقيق مشروعه. يتجاوز الهوة الطبقية التي خُلقت في الاستفادات و الامتيازات، و التي جعلت تعليما نخبويا و آخر إقصائيا ممنهجا. أضعف ما يخدم به المواطنين و أقصاه هو ان يصبحوا مستخدمين في انتظار وظيفة السخرة للكبار. و كأن هذا الفرد ليس بمواطن في الأصل. و كأنه مجرد تابع في قطيع. و كأنه في انتظار الهبات من تسوله من خلال طلب حقوقه. و كأنه عابر السبيل الذي ينتظر ما جادت به الأعتاب الشريفة. و كأنه إنسان القرون الوسطى الذي كانت الإرادة السياسية الطائشة، تنفيه كيف تشاء، وتعدمه متى تشاء، و تعفو عنه إن هي أرادت ذلك.

عقليات كثيرة وجب تغيير طريقة تفكيرها اليوم، و محاربة المنتعشين بشبكتها العنكبوتية المبتلعة لحقوق و وجود المواطن الحقيقي. هي بطون منتفخة و مستفيدة من ريع البنية المتقادمة و البالية لعمران هرِم لبناء المجتمع المغربي.

هي إرادة تنقصنا. هو تغييب ممنهج للأولويات نعيشه اليوم، و نجعل ممثلينا السياسيين و الثقافيين و النقابيين و القانونيين ـ القضائيين، في المطالبة به، في لعبة خارج السياق، و في فبركة تُخرجهم ممتلئي البطون و الجيوب، معتادي الإدمان على سوائل طاولات المفاوضات. حينما بعث الشاب بأبيه ليخطُب له الفتاة التي رغبها للزواج، عاد الأب لابنه بالجواب بعد طول انتظار :

ـ أنا آ وليدي بالكشايف باش قبلوني نتزوج بها ! ( بالكاد قبِلوا أبوك خطيبا لها يا بني ).

إن القضاء على هذا التشظي يقتضي القضاء على الوصوليين الذين اغتنموا المناصب و استغلوا الثقة للاغتناء و الاندماج داخل جنة الأغنياء و مربعات الكبار. إنه مشروع انتخابات ديمقراطية تستغني عن هؤلاء، و قبلها تطالب ببرامج مواطِنة للجميع و من أجل الجميع، في السياسة كما في الاقتصاد و الثقافة و الرياضة و التربية و التعليم. لا زالت ميزانيات الإنفاق العمومي فقيرة، و ميزانيات الإنفاق الخاص باذخة و مسرفة. ذاك أن اللعبة السحرية جعلت ثروات البلاد صندوقا أسودا، نسينا أنه غول يبتلع جيوبنا و يمتص دماءنا.

هو التشظي الممزق لجسد مجتمعنا المغربي. حلّق الطبيب فوق سماء فصل ربيعه السياسي من أجل إنعاشه و إنقاذه من ورطته. حجبت المفرقعات فضاءه، و مرّت فرصة كونية يقترب فيها المذنب من مَجرّته، و بقينا في انتظار المجهول الساخر و المخيف. في مسار اللامسارات.