Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Menu
باب القصبة 27

باب القصبة 27

باب القصبة 27

26 ـ

حينما تسكنك مدينة يعني ذلك انها تعيش بدواخلك، بأنفاسها و خيالها و ظلها، قبل أن يتحقق ذلك في معايناتها المادية و التفاعلية.

يمر ظل شخص فتترع عليه منه و من صوت خطوه و قرعه، من توقيت مروره أو نحنحته. تنتظر تواصله أو سلامه، أو إنك تبادر إلى مكالمته قبل أن يعبر مقام جلوسك أو وقوفك. تلك سياقات الحياة اليومية داخل المدينة الصغيرة مولاي إدريس زرهون. وظائف شوارع و أزقة، و أدوار مؤداة لضرورات العيش أو للتواصل المجتمعي داخلها، يعيشها سي عبدالعزيز كما غيره من سكانها. تجد غيمة نفسية مظللة لروحه أو مضللة لانتباهه. لكن مثيرات و منبهات تعيد الذهن إلى وظيفة وعيه و تواصله.

مرّ الحاج إبراهيم بعد ستة أيام من أمام دكان السي عبدالعزيز. صادف ذلك نفض هذا الأخير لفوطة و نشرها على حبل أمام باب الدكان. كان ظل السي عبدالعزيز منشغلا حينما مرّ طيف الحاج و لم يفشِ السلام على صديقه. و كأن الصديق توقّع ذلك. و كأنها بداية تفسير لما دار بينه و بين السي علال اليازغي. عاد  لداخل الدكان و تابع عمله و حلاقته لزبون. بادر ذهنه لتشغيل قصيدة ملحون عطّرت ذهنه بما يبعد عنه قلق كل سؤال أو حسرة على سلوك مجهول و مرفوض.

فيما بعد صلاة العصر، التقى السي عبدالعزيز بالسي محمد الخراز. استفسره الأخير عن عدم تكلمه مع الحاج إبراهيم :

ـ السي عبدالعزيز ما بك؟ لماذا لم تكلم الحاج إبراهيم حين مروره؟

ـ السي محمد. كلنا مسلمون. من عليه أن يفشي السلام المر بخطوه أم المنشغل بعمله؟  أنا لم أره إلا حينما تجاوز باب الدكان في صمته الذي يذر رماد اليباب.

ـ كان عليك مكالمته. ربما يكون قلقا أو غاضبا من شيء ما.

ـ كلنا أولاد تسعة أشهر آ سي محمد. اللهم إذا كان هو يعتبر نفسه أفضل من الناس أو إنه شريف يحتاج إلى تمسح بمقامه.

ـ أعوذ بالله. ليس هذا ما نويته.

ـ لقد غضب من رأيي في موضوع القطار. و اقترب من سبّي. بل أكثر من ذلك دعاني إلى التفكير في الاغتسال باب صنهاجة أو باب الحجر قبل الدخول إلى الزاوية. و كأنه هو فقط من ينتمي لها أو إنه هو الطاهر فيها. هل أصبحنا في مقام اليهود عنده؟ أو الزائرين الذين  الغافلين الذين يزورون المدينة؟

ـ ربما كان مازحا. تعرف الحاج إبراهيم.

ـ  و لماذا لم يفشِ السلام إذاً؟ كل شيء له حدوده آ سي محمد. دع الأمور تسير و اتركه براحته. يوم يتساوى مع باقي الناس مرحبا به. أما إذا ظن أنه أفضل منهم، حينئذ رحمه الله. ليَعِشْ بظنونه و أوهامه. كلنا اهل كرم و دين.

ـ صحيح. الله يهدي من خلق. أزيحوا هذه الغمامة و أبعدوا عنا مرض العداوة.

ساد صمت كبير كبير فضاء الدكان بعد ذهاب السي محمد إلى عمله. بعض الأصوات التي تخترق مسامع الي عبدالعزيز، كانت توقيعا للعادي و المعتاد في يومه هذا. مساء ذلك اليوم و كعادته الجديدة، عرج على مقهى مولاي سليمان. كأس شاي بنعناع منحدر بساتين الساحل الأخضر أسفل سور ممر الرشاش. مواضيع شتى تداولها الحاضرون، من بينها موضوع الرسالة التي ذهب بها وفد من أعيان المدينة إلى مقام السلطان بالرباط، و تلك التي تسلّمها القياد لكي يوصلها إلى مقرّ الحماية بمدينة مكناس.

كلّ التعليق كانت حاضرة بأقصى أطرافها المتناقضة. لكن الجميل، أنها جميعها كانت باعثة على الضحك و الانشراح و تناول الموضوع بما ستتيسر به الأقدار.

في نفس المساء، كان لقاء الحاج إبراهيم مع جماعة الملحون بمنتزهه داخل رياضه. جلسة دامت نصف ساعة تقريبا قبل أن يبادر أعضاؤها إلى الانصراف بأعذار مفتعلة. حين أكدّ و أصر الحاج إبراهيم على نفس كلامه و موقفه من السي عبدالعزيز، اعتبر الجميع أن المسألة إهانة لهم. تعالى كبرياء الحاج إبراهيم بشجرة الأنساب و مقام مولاي عبدالسلام و مولاي إدريس و شفاعة الرسول. كثُر كلامه حتى أصبح شبه هذيان لم تستغه الجماعة الحاضرة. في انصرافها، كان الأول على مشارف باب القصبة في اتجاه منحدر طريق الرشاش، بنما الأخير منهم و قد انتعل بلغته حيى صاحب المنزه بتحية السلام و التحق بالباقين مسرعا الخطى حتى يقترب منهم أكثر في الكلام كما في الخطو و المسير.

ـ السي عبدالعزيز، قال كلاما حكيما هذا اليوم : الله يرحمه. فعلا إذا كان الحاج إبراهيم بهذا الفهم و الموقف، فالله يرحمه. أخطر ما في الحياة هو أن تفرغ غضبك إهانة لمن حولك من المقريبن.

ـ لكنه هنا تجاوز حدود الغضب. كأنا رعاع من حوله. أين ذهبت الأخوة الدينية و محبة الإسلام؟ هل هو وصي على الجنة و بائعها في الأرض؟ هل هو أفضل من الآخرين بحكم أنه شريف ولد النبي؟ راكم سي عبدالكريم بن سليمان تساؤلاته الرافض لما فهمه.

ـ صدمة و الله. و كأننا جئنا نسعاه رزقا في طلب تذويب هذا الأمر مع السي عبدالعزيز. و الغريب أن السي عبدالعزيز لم يتناول معنا المسألة بما فيه كفاية. اكتفى بالرد على استفساراتنا فقط... هكذا استغرب السي محمد الخراز و هو يتقدم خطو الجماعة حتى توقف أما درج مقهى مولاي سليمان و خاطب مرافقيْه :

ـ تعالوا ندخل لمقهى مولاي سليمان.

مفاجأتهم أنهم وجدوا السي عبدالعزيز منسجما مع إيقاع الطرب  بترديده للازمة القصيدة ( روحي يا الغزال فاطمة )، و مرددا بتصفيقه على لحنها. اتخذوا جلستهم في الأمكنة الفارغة التي وجدوها. اذابت قصيدة ( فاطمة ) شجونهم، و أدخلتهم في رحلة صورها و غنائها. بينما تعالى خيط دخان الكيف من السبسي الذي كان بين يدي سي محمد الخراز. السبي، توقيع التواصل اليومي بين مدمنيه و المتحاورين داخل سحبه.