Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Menu
باب القصبة 26

باب القصبة 26

باب القصبة 26
باب القصبة 26

25 ـ

كان السي عبدالعزيز من أقرباء زوجة السي علال اليازغي. يعلم بإقاماته و علاقاته. حينما لم يظهر له أثر، عزم بخطوه من اجل طرق باب سكناه بالخطاطبة بخيبر. ذلك الحي المحصن بأسواره و أبواب أقواسه و المطل على الجزء السفلي من المدينة و الوادي العميق من الجهة الغربية الجنوبية.

ما دار من حديث بينهما حوّل المواقف، و اتخذت تدابير في الكلام كما في العلاقات. اتفقا على عدم الإفصاح عن مضمون حوارهما. لكن تفسيره قد تسعفه تصرفاتهما التي تلت اللقاء.

للأماكن هويات و بطاقات تعريفية تاريخية. لها ذاكرتها و ثقافتها. لها أرواحها التي تسكنها. و حينما تتفاعل الذاكرة مع الأرواح تعطي حيوات غير مرئية لها. ذلك ما استنتجته دائرة السي عبدالعزيز من أصدقائه و معارفه.

اختار سمره الفني بمقهى مولاي سليمان، الواقع باب الرشاش خلف القوس المقابل لطول شارع السوق البراني. مقهى رسم لزرهون شخصيتها الفنية و الاجتماعية و تاريخها الفريد في عالم الطرب و فن الملحون. طان صاحب المقهى من المولعين و من الفنانين الأساسيين في جوق الملحون. إنما جوق الملحون و عالمه قيمٌ و ثقافات و تقاليد و أسلوب عيش. إذ يصعب على شخص ما أن يعلن و يترص بانتمائه إلى عالم الفن داخل مجتمع تقليدي متشبت بالصورة الدينية و سلوكها الاجتماعي. فحدود التماس بين المطلوب و بين المنهي عنه متقاربة كاللهيب حول الحمى. و ذلك ما يجعل الناس يتوجسون من شرع أبوابه  لأرواحهم و وجدانهم.

ربما تكون دائرة الملحون الأولى مع الحاج إبراهيم قد اختارت اوقاتها و مكانها و أشخاصها، و في الأمر تجانس و تقاطع طبائع و شخصيات. لكن الأصعب في العلاقات البشرية ما تستبطنه أنفسها. يبقى الإنسان غريب الأطوار و عدو نفسه التي يجهلها، ما باله بمعرفة نفسية الآخر و ما تحتويه من غرائب. كيف يمكن للجرح أن يتداوى بجرح آخر؟ ذلك اختيار لعالم جديد و علاقات جديدة.

كم يهاب المستكين لهدوء المجتمع و توازناته كل التيارات الشاذة عن القاعدة. الجهر بالانتماء للفن و الطرب. الانخراط المؤسساتي داخله في جوق سمر و احتفال. ذلك جوق ملحون مولاي سليمان. و مقهى مولاي سليمان ذاع صيته تاريخيا. كما تعلَّمَ فيه الرواد الكبار في الحفظ و الأداء و العزف. يكفي أن نذكر الفنان الحسين التولالي الذي كان يأتي من مدينة مكناس ليتلقى و يحفظ. و قد كانت أسماء محلية مثل ( براشد )، و ( حماد )، و ( العربي العوينة )، و ( اليديني )، و ( ميرا )، إضافة إلى مولاي سليمان، هي الرائدة و المعتمدة في عالم الملحون داخل عالم زرهون و ما جاوره ببلاد المغرب. لقد كان المقهى المكان القطب الذي يأتيه عشاق هذا الفن من كل بلاد المغرب، و خصوصا في أيام الموسم السنوي. كان العربي العوينة يتقن العزف على آلة الكان. و كان يُعلّم رواد الالة في الملحون الذين يأتون من الرباط و سلا و مكناس.

كان السي عبدالعزيز قد اتخذ قراره بالالتحاق بالمقهى في المساء. يجلس هناك زهاء الساعة قبل أن يصعد إلى منزله عبر درج صابة الحمام الجديد. و الجلوس بالمقهى لم يكن طربا فقط، بل كذلك تداولا لمواضيع شتى، من بينها موضوع القطار.

 قد يغلب على الجلسة دخان الكيف المتصاعد من عيدانه المخصصة له، لكن السي عبدالعزيز تأقلم معها مثلما تأقلم مع جلساتها منذ صغره مع مدخنيه.

لم تُحْرجه الجسلة الأولى، ذلك أن منطق التجارة حاضر. الترحاب و عدم الاستفسار. كما لم يتلق أسئلة مباشرة من طرف أصحاب النظرات الفضولية الذين سرعان ما يخفونها و يظهرون اعتيادية للأمور و لما يجري معها. و كل شيء له سببه. لكن كل سبب له أوان ظهوره بشكل طبيعي. و ما دام السي عبدالعزيز ليس بالغريب، فهو المعلّْمْ و صاحب الدكان للحلاقة و الحجامة بالسوق البراني، و ابن البلدة. و زبائنه من رواد المقهى كثر، فإنه لم يجد صعوبة تحول دون اندماجه في مناقشة مواضيع شتى، منها موضوع السكة الحديدية و القطار و قاعة السينما. إنما الجديد هم عالم السخرية الذي يطبع الحديث في المواضيع الأكثر جدية. سخرية قد تكون تحليلا عميقا و انتقادا دقيقا. سخرية تلج إلى مختلف زوايا و جوانب الموضوع كما إلى حياة المجتمع الزرهوني. تجد فيها أبياتا من قصايد الملحون، كما من ديوان سيدي عبدالرحمن المجدوب، كما من حكم المدينة و ثقافة المجتمع المغربي.

ما كان مقلقا عند الحاج إبراهيم و مغضبا له، وجده السي عبدالعزيز هنا في مقهى مولاي سليمان، مقهى الملحون، ضحكا و استغرابا متجاوزا، تمحو همومه لوحات الكمان و العود في الأداء، و سحب الكيف و السجائر في التدخين.