Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Menu
بين السياسة و الثقافة : سؤال المواطن

بين السياسة و الثقافة : سؤال المواطن

ترتبط المعادلة بين المصطلحين و المفهومين بالعلاقة المنظمة و التداخل القائم بينهما. ذلك أن المجتمعات المعاصرة طورتها رمزيا و مؤسساتيا ومعرفيا و توظيفيا إلى درجات من التكامل الجدلي الذي قد يحقق إيجابياته ، كما قد يحقق و ينتج سلبياته، من منظور التطور و التأخر، و التقدم و التخلف الذي يرسم الأبعاد الحضارية و المدنية الحياتية للمجتمعات الإنسانية.ـ

و لعل الرابط التاريخي بينهما يمتد منذ القديم، منذ تطور الرمز الثقافي حتى أصبح مقدسا يحتاجه القائد السياسي للعشيرة أو القبيلة أو الأمة، مرورا بمراحل القرون الوسطى حيث برز التحالف بين رجال الدين و طبقة الإقطاع مثلا، و التحالف الخادم بين العلماء و الحكام في البلاد الإسلامية. و بالموازاة، كان للمعارضات في السياسة رجال فكرها و دينها و فقهائها الذين يخدمون طرحها و توجهاتها كذلك.ـ

و نظرا لشساعة التغطية التي تحتاجها المعادلة و العلاقة، سيقتصر تناول الموضوع على الزمن المغربي الراهن، من خلال ثلاثة خيوط تعبيرية ترسم المنطلقات لملاحظات موضوعية و واقعية لحياتنا السياسية و الثقافية عموما. تلك معادلات السياسة و الثقافة  إذاُ.ـ

نجد في بلادنا في النموذج الغربي و الفرنسي منه على الخصوص ـ بحكم الهيمنة اللغوية للفركوفونية و الثقافية الإعلامية و المؤسساتية المنتشرة في بلادنا ـ أمثلة إيجابية نندهش لها كامتيازات للثقافة عندهم، و كغياب معيب عندنا. فنبدأ بشقاوة المقارنة التي تشرخ الوعي و تجعله في شيخوخة تفكير و انتظار الآتي الذي يتحكم فيه، و ذلك بحكم مفارقة الواقع للفكر و العقل و الوعي الذي ينسجها كعناصر.ـ

واقع الثقافة في بلدنا كسياسة إذاً، يعيش هذا الاغتراب. كما يعيش هذه الدونية في المقارنة. تزيده العولمة تأزما، و التي تجعل الفرد ينجرح بالانسلاخات الهوياتية لكي يرتمي في أحضانٍ تلتحفه كأمواج هائجة بملحها و فطرياتها التي تمحي كل خصائصه الأصلية المستقلة به وجوديا. و في ظل هذا الواقع نحتاج دائما إلى تنظيم علاقة بين الثقافة و السياسة، تكون هي السفينة التي نعبُر بها دون غرق أو قرصنة أو نهب من الذاكرة او الحق في الحياة.ـ

و من أجل ذلك، نبحث هذه الخيوط الثلاثة، السياسة الثقافية ـ سياسة الثقافة ـ الثقافة السياسية.ـ

ربما سنحملها مضامين مفهومية إضافية، لكنها ضرورية، ما دامت كل سفينة تحتاج إلى ما يكفي من أنواع الزاد و الطاقة من أجل أن تقوم برحلتها.ـ

السياسة الثقافية، سينظُر لها المسؤول الثقافي، الإداري و الحكومي، من وراء زجاج نظارتيه، فوق كرسيه المريح، على أرضية مكتبه أو صفحة حاسوبه امامه. ربما ـ و هذا أكيد ـ يده على مذكرات توجيهية ـ تعبّد المأمور به و تفرمل المنهي عنه، تستشير المؤسسات في بنائها الهرمي و تنظر إلى صاحب الميزانية ( تلك الشكارة التي تجعلنا رعايا نستفيد من هبات و ليس مواطنين نستفيد من حقوق )، إن هو أذِن أو يأذن بالمسير.ـ

يشقى في وعيه و في مكتبه بين خدمة الثقافة و خدمة الإدارة. و طبعا تكون الإدارة عمياء لا تنظر إلى مضمون المادة، بقدر ما تنظر  إلى ملاءمتها و مناسبتها و خدمتها للسياسة المطلوبة. و بذلك تنحصر حياةٌ مثلما ينحصر مجرى نهر عذب سلسبيل، فيلاحظ على أن السباحة تصبح في بِركٍ محروسة قد تتعكر، لكن واجبه تلميعها و إخفاء الروائح الزكية التي قد تزكم الأنوف لركودها. و لابد له أن يسميها زكية رغم أنها عفنة كقصيدة مدح تلبس الشيطان أجنحة ملائكة الرحمة( قولوا العام زين) ، و إن كانت الأخلاقيات لا اعتبار لها في منطق التحليل، إذ هي ملاحظات موضوعية متتبعة لما يجري، كاشفة لما غاب من ضرورياتها.ـ

سأطلب السماح من مسؤول الإدارة في مكتبه و ليس العفو، ذلك أن السماح يعبر عن كون القضية أكبر من حجم و صلاحيات مكتبه، بينما العفو سيكون كانه جناية على حق أو مخالفة قانون. إنما هو حق في المكاشفة و المحاسبة و النقد الذي لا يعتدي على الأشخاص بقدر ما يحاسب البرامج و الضمائر و السياسات.ـ

السؤال إذا حول من يرسم السياسة الثقافية، و من يبرمجها و كيف يتدخل في مساراتها سانكرونيا و دياكرونيا بلغة البنيويين؟

هل هناك أليات جيمقراطية و مسطرات تنفيذية و مجالس حكامة ثقافية متعالية عن الإيديولوجيا و الشوفينية السياسية الضيقة، خادمة للفن و الثقافة و الإبداع و معالم الحياة الجمالية الحضارية و المدنية التي ترقى بالمجتمع؟

سيكون الإشكال سياسيا هنا كلما تعلق بمدى حضور دستور ديمقراطي فعلي و آليات تنفيذ ديمقراطية و متابعة ديمقراطية حقيقية بقانونها و ثقافتها العملية.ـ

و سيكون الإشكال ثقافيا هنا كذلك كلما تعلق الأمر بالعقليات و اللوبيات المتحكمة في الظاهر و المضمر، و المتعسفة على الحريات و على الحق في الحياة و الاستفادة من ازهار حدائق هذه الحياة و التي هي الثقافة... عقليات و مؤسسات تخدمها محتقِرة لقيمة الثقافة و الفن و الإبداع و الجمال كحقوق لكل مواطن و مواطنة.ـ

المقارنة السرطانية تبين بألمِ مرضِها أن سياسات المؤسسات الثقافية الأجنبية أكثر استقطابا و نجاحا و نفاذا من سياسات مؤسساتنا. تبين أن همَّ المسؤول هو ذلك التقرير الذي يجب أن يلمِّع مهمته و إنجازه دون النظر إلى مضمون إنجازه موضوعيا. ذاك الانتصار للبروتوكول الذي يغيب محتوى الفعل و الإنجاز. ـ

و لعل هذه السياسة الشكلية تحكمها المصالح و المخاوف و المفاسد . و هي معادلة تحتاج إلى أشكال تشخيص شفاف يقوم به أطباء الثقافة النزهاء، و ليس من سبحوا في الماء العكر فتعفنوا بروائحه و صيده الميت. فأين هي طبقة الأنتليجيتسيا التي يمكنها أن تتعالى عن المال و المصالح الطبقية و السلطوية ، من أجل خدمة الثقافة الوطنية داخل مشروع حضاري شامل؟

نترك هذا الآن و نعود إلى خيوط الارتباط بين السياسة و الثقافة، حيث السياسة قيادة و السفينة ثقافة.ـ

و هو ترك لا يعني التجاوز بقدر ما يعني منهجيا التجوال الفاحص للمعادلة من خلال رؤية سياسة الثقافة في بلدنا، كيف هي؟

إذا غابت الديمقراطية غابت الثقافة كمشروع له قيمته الحضارية المواطِنة،و حضرت سياسة الثقافة في قودها بلجام متحكم لا تلوي على سبل سوى ما رسمته لها السياسة، و لا تتحرك لطريق أو حقل سوى بما ارادته لها السياسة، و لا تحيا بدينامية إلا بمشيئة السياسة، و لو جمّدتْها و غيّبَتها رغم ضرورتها كدواء لعلاج و استقامة و سلامة.ـ

سنجد أن الثقافة الحقيقية تخدم الاستقرار للمجتمع و الوطن. و سنجد المفارقة في شهادة الراحل الحسن الثاني ـ في جواب على سؤال طرح عليه في حوار صحفي ـ حول تجربة تونس التي راى فيها وطنا داخل إنسان و إنسانا داخل وطن، و التي بيّن على انها بلد آمن بتعليمه و تربيته و ثقافته قبل سياسته... فأين هو مغربنا في هذا الدور الحيوي للثقافة؟ مفارقة غرائبية إذا.ـ

إن سياسة الثقافة قد تكون عمياء. إذْ بمجرد ما يصدر قرار أو يوجه إلى قرار، تجدها نازلة منفذة كالمقصلة على عنق الثقافة، جاهضة كل ما تبلور و انجِز في رحم الثقافة. فهل من مثال لهذا؟ أظن ان ثقافة الإدماج في العملية التعلمية و التربوية التي اجهضت بقرار مفاجىء خير مثال، رغم أن النقاش سيتحول معها إلى سياسة تغيب في تنفيذها الديمقراطية و المحاسبة و المتابعة. أي بديل اعطي لحوالي عشرة ملايين من افراد المجتمع المغربي في التربية و التعليم؟ حوالي ثلث أو ربع سكان المغرب حُوِّلوا من سياسة تربوية و ثقافية إلى لا سياسة و لا تربية و لا ثقافة... اللهم سياسة التقشف و إحكام اللجام و فرملة سيرورة الحياة و مجرى النهر بحساب المال الذي تستنزفه في الخفاء ( تلك الإشباح و التماسيح)، بتعبير من هو داخل قيادة السفينة.ـ

إنها ملاحظات ليست بالجديدة و لا بالغريبة طبعا، تقودنا إلى الخيط الثالث الذي يجعل الثقافة بين يدي الطبيب المعالج و المتابع لمراحل العافية و السلامة و الشفاء. إنها الثقافة السياسية المرتبطة بسياسة الثقافة. و ما دامت الآليات المتحكمة شموليا مرتبطة بالديمقراطية و قيَمِها، فلا بد لنا أن نقول أن الهيئات المنتخبة، و السلطات الممثلة، و السياسات المقترحة، لابد لها أن تنطلق من وعي ثقافي مرتبط بالفكر المتنور، و العقل المتحرر، و العلم الذي يبني الأفراد و يقود المجتمع نحو التطور و التقدم.ـ

تلك كانت آراء و أسئلة مواطن يؤسس بها لبنة من لبنات ديمقراطية الثقافة و ثقافة الديمقراطية من أجل سياسة ثقافية ديمقراطية، من أجل ثقافة البناء الحضاري و المدني للفرد و المجتمع.ـ

بين السياسة و الثقافة : سؤال المواطن