Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Menu
أقفاص 16

أقفاص 16

أقفاص 16

 

صباح. أثاره الاسم حين النداء في البداية. أقلقه طيف الجسد المتبختر احتجاجا فوق الخشبة. عينان زرقاوان و شعر أشقر منسدل. طولها فاره بالنسبة لذكر قد يعشق تسلق جبله و لو نظرة أو تخيلا.

فوق الخشبة، حافية القدمين. تركت الصندال الجلدي المنبسط على حافة الدرج الأخير. هو طقسها في ولوج المسرح و الركح. لباس طويل و فضفاض مهمل الحواشي في انسداله هو الآخر خيوطا ثوبية رقيقة. يتمايل مع صوتها قبل جوارحها.

صاحت باسمها فوق الخشبة:

ـ صباااااح !

انتظرت رجع الصدى. حتى ما كان من السينوغراف و المخرج المسرحي اللذين بدآ حوارا جانبيا في انتظار وصول المدير التقني لقاعة المسرح. جذبهما طقسها الأنثوي السحري الأخاذ بصوتها المتغنج الذي يختزن طربا حافلا في الإنشاد.

عمران، واضع شدقيه على كفيه، مستندا بمرفقيه على كرسي منحدر نسبيا أمامه. في حلته البيضاء و زخرفة شعره الفضية المنبعثة اشتعالا من سواد، و بعينين بارقتين و لامعتين، يتأمل صباح و صيحتها. نسي كل العوالم الخارجية و الداخلية إلا ما كان من هذا الفضاء و هذا المشروع المرتبط بتجربته الإبداعية و النضالية: سيرة نورس. إلا ما كان من هذا الصدى الراجع لصوت خلودي يمتلك الكون بأوامره و نبرته.

شعر بسحرية الجسد و صوته. امتلاك لعالم خاص. صاحبته تعيشه سعادة و فرحة و تحديا. لأول مرة يرى قدرة الحلم و الخيال على اختراق عوالم و نقل أفكار الملائكة التي تتمثل بين الفنون و الألوان. ستؤدي صباح مسرحية فردية مستوحاة من النصوص الأدبية للأديب عمران بن يوسف. كان حضوره ذا قيمة رمزية و عملية في آن، لكونه سيبدي ملاحظاته و يضيف لمساته التي يراها مناسبة للإقحام كحركة و ككلمة و كغناء و إخراج... ما دامت تجربته التي سينقلها الفريق إلى الجمهور ذي النوعية الخاصة في الالتزام و الاهتمام. ستكون لغات متعددة حاضرة في الترجمة و الأداء. أرادها الفريق لوحة كونية و رسالة عالمية، و على عمران أن يرافق صباح في حواريات التدريب و مضامين التمثيل.

عطر جديد سيخترق حواسه، سينافس أنثاه و يزيدها غيرة و حِدة توتر. هذا الخروج اليومي و التشاركي مع صباح. و كأن نادية لا اعتبار لها. هذا التأخر في المساء و عن وجبة العشاء مع الفرقة المسرحية. هذه المتابعة للمخرج في ثنائية الحوار و التفاعل بين شخصيتين: صباح و عمران، و كيف سيستغله لوضح اللوحات و المشاهد المناسبة و ترتيبها كرونولوجيا.

النورس في تحليق جديد و غريب. رفع رأسه إلى سماء حي أكدال، علّه يلاحظ مرور نورس فوقها. انعكس بلل دمعة محبوسة مع أشعة منفلتة على زجاج النوافذ العالية. اشتاق للبحر و ما هو ببعيد. خطا ببطء لا يريد به إيقاظ كائنات المدينة نحو حي المحيط. سيجلس بجوار القلعة القديمة عساه يستقطب حوار نورسيا جديدا. سيفكر في نادية و تقلباتها و قلقها الجديد. لم يحاسبها على كتمانها لوصية وفاء. راعى أنثويتها و رغبتها في التعلق. قدّر تضحيتها من اجل و انتظارها لسنوات قل أن تستطيع العيش معه. حتى ما كان من عقد زواجهما، حضراه بمكتب العدول و بحضور حكيم و نورالدين كشاهدين و بشروط متساوية بينهما. دوّن العذل الموثق ما رآه مناسبا و ملائما لشروط الكتابة الشرعية. تغاضى عن إلحاحهم. تجاوزوا طلباتهم بالتركيز على الحدث و الاحتفال. جعله الأربعة: عمران و نادية و حكيم و نورالدين، بمطعم جميل بحي أكدال. كانت المفاجأة مخبأة إلى حين حضور ضيوف آخرين من أصدقاء عمران و أهله و أهل نادية و معارفها... نشرت الجرائد صورتهما و مباركة زواجهما. خبر بألف حدث، زواج الإعلامية نادي بالمناضل عمران.

كل هذه ذكريات جميلة. مرت عليها سنتان و نصف تقريبا. تسارعت معها الأحداث. لم تكن وتيرة عمران هي وتيرة المجتمع. كان يسابق الزمن و كأن شيئا ما ضاع منه معه. لم يحتمل يوما فكرة الانتظار دون مبرر. يكره فكرة الدقيقة التي تتحول إلى ساعة. يكره القيلولة. ينام لساعات محدودة و يعيش ما تبقى من اليوم في حركية و حيوية و نشاط. يخصص لحصته الرياضية ساعة في اليوم. قد تكون صباحا أو ظهرا أو مساء. لا يهمه أمرها. المهم تحققها كطقس. و لأنه يعلم ما أسكنته الزنازين في أضلعه و مفاصله و رئتيه، يرافع الفناء و العدم اللذين وعدته بهما بالتحدي في الوجود و البقاء و الرياضة.

طقوس عمران بن يوسف أصبحت معروفة عند جل من يعرفه، بل حتى في حواراته الإعلامية. شخصية فريدة يرى فيها جل أفراد المجتمع بأنها مسكونة بشيء لا يمكن تسميته بجن و لا بهوس. يمكن تسميته بقوة ألوهية. لو كان باستطاعة الناس استعارة حضور آلهة متعددة لقالوا تسكنه آلهة قديمة. لكنهم قد يكتفون بالاستغراب أو بالقول: الله يستر. لا يدرون لماذا قد يفرغون هذه العبارة، رغم عدم مناسبتها. لكنهم ما استطاعوه ردعا لعجز ثقافي و مجتمعي يكبّلهم. قد يعونه أو لا يعونه. هذا حالنا.

رأى عمران بن يوسف أن تبدأ المسرحية بهذه الملاحظات حول الحال الثقافي لشخصية الإنسان المغربي. ما يمثل أغلال السياسية في النفسية. رأى استخدام موسيقى شعبية و أغنية شعبية في البداية. إنه يعلم وقعها على المستمع. لو جعلوا الإشهار بهذه اللازمة: سيدي موسى بن عمران، الله يا مولانا... بدفة بندير و جرة كمان، لاستقطبوا كل جماهير سهرات السبت الأسبوعية المتابعين للتلفزة المغربية. ما قد يخلق له صراعا و منافسة و خوفا منها من طرف الساهرين على سهرات ليلة السبت على قنوات البث التلفزي المغربي.

سنة 1995، كانت بداية عرض اللوحة المسرحية. تمت برمجة جولة عبر مدن مغربية كبرى: مراكش، أكادير، طنجة، تطوان، وجدة، الدار البيضاء، فاس، مكناس ثم الرباط. برنامج بقدر ما كان حافلا و ممونا بشكل جيد و بدعم محلي و دولي، بقدر ما كان بداية شرارة اشتعلت لتحرق و تقطع حبل ود بدأ يضعف بين نادية و عمران. كان طلبها للفراق أفضل لهما كما عبّرت عن ذلك. كان رد فعله احتراما لقرارها و رغبتها. رتّبا له ما يلزم و احتفلا باستمرار الصداقة و الاحترام الجامع لهما:

ـ لن يتغيّر شيء ف علاقتنا رغم وجود عقد الفسخ لعقده.

قبّلها و مسح دمعة ساخنة بشفتيه فابتلعها متذوقا ملوحتها و مبتسما لصاحبتها. قبّل جبينها و انسحب في هدوء من قاعة المطعم.

حرية جديدة و تحليق جديد. هكذا رفرف في دواخله همس بطاقة جديدة يحتاجها لعيش ما تبقى له من هذا العمر. و حيث لا راحة داخل العيش المؤسساتي. كل شيء يسير بعكس ما تحلم به الذات، كانت مؤسسة الحزب و جريدته محور تفكيره و معالجته. كيف التخلص من شتى قيود غير مريحة؟