Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Menu
أقفاص 15

أقفاص 15

أقفاص 15أقفاص 15

 

لقد استقرت وفاء بعد تخرجها من كلية علوم التربية بمدينة الرباط، بعاصمة الشمال تطوان. كانت قريبة من مسقط رأسها. جاءها خبر إطلاق سراح عمران كفاتحة سماء منفرجة بعد غيوم جليدية بدون أمطار دافئة. الحياة عندها أناقة و شياكة و ذوق رفيع. اختارت رجل أعمال ناجح للزواج منه، و استقرت أسرتها بنفس مدينة عملها. السيدة وفاء. هكذا أصبح لقبها و تسميتها داخل الأوساط الاجتماعية و المهنية بتطوان. عكست شخصتيها داخل القسم و قدرتها على التحكم في مناخه و جذب التلامذة للمادة و نقل انطباعاتهم المعترفة و المنوهة بالأستاذة، مرآة صورتها و احترام الناس لها السريع. أنجبت طفلين اختارت لهما تسميتي (صبح) و عمران. كانت التسمية الأولى من اختيار أخت زوجها، استحسنها الجميع بمن فيهم وفاء، بينما كانت التسمية الثانية و التي عرفت عقيقتها سنة1986 هي عمران.

أفق السبع سنوات و هي تنتظر ظهوره لتشرح له سبب و ظروف اختيارها و قرارها في الزواج. ارتأت أن تخلد حبه في فؤادها و تجعله في لفذة كبدها، ابنها الذي سيترعرع برعما ثم زهرا ثم شبلا فأسدا تستأسد به في محيطها و جنان قلبها. انتظرت بعد انتهاءها من الدراسة الجامعية و تخرجها من كلية علوم التربية سنتين. تواصلت مع الرفاق و ناضلت خلال مرحلة اعتقاله من أجل الكشف عن مصير المجموعة. أصبحت صور المختطفين و لي المعتقلين بوستيرات تزخرف كل عمود و كل مدخل بالمدينة الجامعية. في باب المقصف حيث التلاقي الطلابي اليومي فرض فصيل عمران و مجموعته ثلاثية الزعماء كارل ماركس و فريديك إنجلز و تشي غيفارا. كما فرضوا تحت صور الثلاثة شريطا يضم المجموعة المختطفة.

لم تكن وفاء هي التي أخبرت عمران بهذه التفاصيل. فقد اطلع على بعضها خلال فترة الاعتقال المعترف بها في السجلات. و قد كان الاعتراف بمثل هذا التزوير كتوقيع ذاتي على الإعدام. سلخ ذاته ذات مسائيات أكدال في ثمالة مرجوة و نقد ذاتي تبوح به الكأس كما تشاء:

ـ سبع سنوات من العمر كفرشة ورد معطرة تم تجفيفها في دواخلي. لا يحس بالظمأ لها و لا باليبس المتشقق و الحارق لها سوى صاحبها. كم من افتراض لحياة و قدر أجمل. كم من حب و من قبلة و من شمس و من رحلة حياة و اكتشاف ضيّعتُها خلالها؟ كنتُ أنا الذي قبِل بأنصاف الحلول. ها أنا أؤدي الثمن غاليا من ذاتي و كياني. ها أنا أثمل لكي أعرّي هذا الجسد.

تتابع نادية بقلق هذه التوترات الجديدة التي بدأت تتفجر في يومي الحياة عند عمران. تتوجس كأنثى من كل خلل أو نقص أو اختراق يمكنه أن يصدّع مملكتها. تعلم اندفاع الأخريات للتعلق برابطة صداقة أو علاقة بعمران. عمران هذا الذي زاده الاعتقال وسامة تجلت أكثر في ثبات قسماته و ارتسام ابتسامته الموقعة لقوة شخصيته و توازنه الداخلي و الموقفي. هكذا رسم معالم بورتريه عمران من طرف صحافي بارز في العمود الأخير من جريدة الحزب كمقدمة استهلالية لحوار أجراه معه في حلقات.

ستبدأ غيرة جديدة تمتلك شعور و نفسية نادية. ظنت أن تضحيتها معه في أحلك أوقات عمره ستكون كافية لكي تجعله لها وحدها. لكن، يبدو أن المحيط له ما يقوله في حياة كل زوجين و كل علاقة. لا تستطيع حبسه عن التواصل مع الناس و هي تعلم مدى رفضه لكل تعسف على حريته، مثلما هو يقدّر حريتها و لا يسألها عن يوميّها و تغيباتها و سفرياتها غلا بما يتطلبه الاطمئنان و السؤال الذي يجعلها دائما في الباب و الاشتياق.

تلك الجلسات الرفاقية و الإعلامية التي تجمعه بشكل شبه يومي بحانة يرتادها أما القاعة الرياضية المغطاة بحي أكدال، و تلك الارتباطات بمواعيد ثقافية و حزبية و إعلامية، ذلك الغياب الذي قد يستمر لأيام بين الرباط و الدارا لبيضاء و غيرها من المدن المغربية التي يحل بها ضيفا، كلها غيابات بدأت تخلق ذلك القلق الذي يصاحبها انفعال متدرج و محتج على الغياب و عدم الإخبار و إهمال العلاقة الزوجية و مواعيد اللقاء مع زوجته..

 و كلما ازداد شعوره بالتعسف على حريته ازداد توتره الداخلي الذي لا يبديه لمن ساندته و آزرته و أخرجته من يأس نفسي... لم يبالِ و لم يعط اهتماما لما قالته و أخبرته به وفاء. قد يعتبر ذلك صراع نسوة أو غيرة أو تبريرا لعدم الكون في الموعد. و حيث يكون الموعد قدرا لا يحالف صاحبه، فإن وفاء لم يحالفها الحظ لتعرف أنه على قيد الحياة و أنه معتقل. لم يحالفها الحظ حينما ألحت على صديقة دراستها الجامعية و الإعلامية التي لها تواصل و علاقات في العاصمتين الرباط و الدار البيضاء لكي تبحث عن ملف عمران و تتابعه و تقود بزيارته دون ذكر طلبها، هي وفاء، لذلك. دون وقوع في إحراج للحظة إخبار بزواجها و إنجابها و تسميتها لابنها تيمنا باسم المناضل الذي أحبته و عاشت معه أسعد فترات الحياة ألا و هي الحياة الجامعية.

ـ و كأنني قدمتُ لها طبقا من ذهب. و الله العظيم لغريب كل هذا. أطلبها لرعاية فتنقض عليه كفريسة. منذ الجامعة و أنت تغارين مني يا نادية.

هكذا كانت وفاء تخاطب و تكلم نفسها و هي في رحلة العودة من الرباط إلى تطوان، خلال رحلتها من لقائهما الثاني الذي كان بمطعم باليما بالرباط.

تتأمل الطريق الذي بدأ يتخذ منعرجات جبلية في اتجاه مدينة وزان ثم شفشاون فتطوان. تمر بالقرب من مسقط رأسها قبل الوصول إلى منتهى رحلة السفر. تشعر بانسلاخها عن لحظتها الحاضرة و عيشها لمرحلة زمنية ما. يوم كانت طالبة متحررة و حرة لا قيود تكبّلها و لا حياة زوجية تفرض عليها طقوسها الاجتماعية. و تنفجر بدواخلها وفاء الشابة و الطالبة.

تعرق جسدي أحست به. لم تُرْجِعه إلى درجة الحرارة المرتفعة و لا إلى حركة الحافلة المزعجة. غضب لا تشعر به إلا المرأة حين اشتداده بداخلها. تعلم أن نادية أخذت منها ذاكرتها و رحيق حبها الكبير. ( لو كان قارورة عطر فارغة لأعطيتها لها. لكنه عطر به أتشمم رؤيتي لابني و ندائي عليه و مواجهتي لهذا المجتمع. بشخصية عمران اكتسبت القوة واستطعت كسر قوة الرجال سواء كانت في أبي أو في زوجي رجل الأعمال. حاولوا ما استطاعوا جعلي امرأة في أدوارها التقليدية. و حاولت ما استطعت لأكون المرأة التي أريد. المرأة الحرة التي تتخذ قراراتها و تختار ما يأتي في يوميّها و ما تريده من ألوان و أسفار و مواعيد و علاقات. حينما يصبح المجتمع مقدّرا لدورك و منتظرا لرأيك: فاعلم أنك حققت نجاحك في تقدير شخصيتك و عيش حريتك).