الإنسان كقيمة ثقافية : في ثقافة اليومي و مراكمة الوعي(أ)ـ

في ثقافة اليومي و مراكمة الوعي :

يأتي الحديث هنا عن سبل تشكل الوعي الإنساني و تطور سلوكه عبر أشكال تفاعل و تواصل يومية يقوم بها كل فرد داخل جماعة نسبية تبدأ بالاثنين و تتعداها للمئات و الآلاف. و ربما في لحظات يصبح تفاعل المتعدد داخل الوتر الواحد، حينئذ سنتحدث عن فعالي الحياة البشرية و دورها في تشكيل ثقافة عيش و تفكير و سلوك.

في بلدتي الصغيرة، تأخذ البنية التضاريسية شكلا شبه مغلق، يعطي للتواصل اليومي بعده المرتبط بالمركز الواحد و خيوطه المبرمة بين الناس. ربما المثال الآتي يستطيع توضيح الفكرة بالشكل الذي ارتأيناه مناسبا للموضوع :

سنأخذ عدد مائة من الناس. كلهم اتجهوا صوب السوق المركزي العصري المبني بدكاكينه و صفوفه. عشرون منهم قرروا شراء تين طري. و عشرون آخرون اشتروا بطيخا أصفر. و بعضهم اختار البطيخ الأحمر ( الدلاح ). بينما اشترى البعض عنبا أو تفاحا...

بين هؤلاء تعارف و تواصل حرفي و مهني و أسري و قبلي و اجتماعي تترجمه المصالح العادية و اليومية بين الناس. سيلتقي الواحد بالآخر متجها إلى السوق. سيسأله عن جديد الفاكهة و طريّها. سينصحه بفلان الخضار أو بغيره. سيسارع إلى الذهاب و اقتناء ما يريد. ربما عامل التوقيت سيلعب دوره في النجاح في الاختيار و الاقتناء و الحصول على جودة أو ثمن مناسبين.

سيكون نفس الأمر في شراء ثوب أو سلعة، في اللحاق بالصلاة الجماعية و صفوفها، في اتخاذ موقع بالمقهى أو السور المشرف على منظر عام...

يشكل هذا التفاعل اليومي لونا من ألوان الحياة التي تراكم الوعي و التجربة و الفهم و تطوير الذوق و الاختيار، و تعميق و تنويع العلاقات بين الأفراد و الجماعات.

كما يشكل مجالا للتنافس على قضاء المصالح و تبادل خبراتها، إلى جانب التنافس على تطويرها و مراكمة  الإيجابيات المرتبطة بها مثل بناء الشخصية و سمعتها، و تحقيق التملك.

يعتبر هذا التفاعل اليومي لبنات أساسية و متتابعة تراكم بناء العادات و التقاليد، و السلوكات المطلوبة، و الاجتهادات المفروضة لضرورات التجديد و التحقيق. فهو الحقل الزمكاني و البيئي الذي يؤسس الثروة اللامادية إلى جانب المادية في التجمعات البشرية.