Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Menu
باب القصبة 15

باب القصبة 15

باب القصبة 15
باب القصبة 15

14ـ

باب القصبة، وقفة أخرى شامخة بافتخارها. تنتصب على أعلى الربوة في سُمك عريض و أبواب متينة، تلك التي حينما تغلق تجعلها قلعة مستقلة بجوار مدينة نائمة. كأن باب القصبة هي البرج الذي يحمي أحياء المدينة من جهة جبل الدكانة و شعاب المنحدرات من الجهة الشمالية الغربية.

حينما  يدخل الفرد أو الجماعة من جهة عين الرجال، فيخترق القوس و الباب الأول أمامه، ثم يرفع عينيه، ها هو أمام طريق مترب و صخري في نفس الآ،، صاعد كحائط مائل تقف على حدّ أفقه و نظرته باب القصبة متجذرة في التاريخ. هل أكملت القرنين من الزمن؟ يتساءل الحاج إبراهيم كل مرة. كلما حاور أطلالها و سقايتها التي بجانبها. و يغرق في السؤال و قوس الاستفهام من جديد. تسمية السقاية هي الغالبة في النطق على لسان الزراهنة، ناس الزاوية. لكن نساء حيع من العلَميات، تستعملن لفظا قريبا و مندمجا و مدغما معه. إنه لفظ الصقالة و السبالة. مثلما تلك التسمية التي سمعها ببلاد مصر : الحنفية. لا يدري لماذا سميت بتلك التسمية.

ينتفض على أسئلته، فيقفز عليها عبورا  و هو متجهٌ إلى رياضه يجانب قصبة البلغيثيين مهد تسمية باب القصبة.  وهم الذين اتوا هجرة و إقامة بها في عهد السلطان مولاي عبدالرحمن، بحسب ما قرأه في كتاب الاستقصا التاريخي يصاحبه الناصري.

15ـ

الحاج إبراهيم، حاج الأمانات. هكذا سرى اللقب بين نفسيات و قلوبٍ نهشها شبح مركب و متحالف مع القدر و مع التاريخ.

صندوق سي العوفي ، الغائب الأكبر مع أسراره و مفاتيح أخباره، شاهد على الوفاء. في كل مرة، يُجالس الحاج إبراهيم معارفه و بني عمومته و اخواله. هي عائلات  هجّرها الزمن إلى بلاد و جبل زرهون. أخذ المستعمر أرضها الفلاحية، و حوّلها إلى المعمّرين الذين نصبوا أعينهم على سهل الغرب المعروف بخصوبة تربته. عائلات علّمها الزمن الصمت و الجلوس أمام أشعة الشمس البنفسجية و الآيلة إلى الغروب. أشعة لحّفت صفحات وجوههم، وتعمّدوا، هم، اختراق احتراقها. لا يدرون أي احتراق هو أقوى و أقسى، احتراق الداخل أم احتراق الخارج؟ و لا أي غروب هو حقيقي؟ أ هو غروب الشمس أم غروب الروح التي تحن إلى خلاصها من القفص الصدري المجهش الذي رقّق أصوات رجالها، و غلّظ صيحات نسائها؟

لكن الشمس التي تغيب، تُعاود الشروق بوهج جديد. أما نفسية الغرباوي، فقد احترقت مع الأفق الذي نهشها بذكريات و حنين، و كسّر شوكتها بغصب أراضيه و أمه الخضراء.

ـ أترى سي العوفي قد ذهب لينام في حضنها الأخضر و يرضع من صدرها فيرتوي و يخلد في أعماقها، خلاصا و نهاية كخلاص الحيتان على شواطىء مهجورة؟

لم تزد مساءلة الحاج إبراهيم  الأسر الغرباوية إلا شقاء وعي بمصائر خلق. لم تزده إلا اتقانا و حسرة جارحة بما تسببه مكائد فرنسيس التي تسمى سياسة و حماية. ها هي مدينة مولاي إدريس زرهون تأوي ضحايا القدر و التاريخ و تضم جسدا مجروحا عبر خريطة بلاد مغربية ممتدة شمالا و جنوبا و شراق و غربا. من عصفت به السياسات، و من عصفت به المجاعات... لكن بالمقابل، هناك من أنعمت عليه بين هذه و تلك. و هناك من استقرت به منذ قرون و كان لبركة الضريح أو الانتساب لمقامه و لمقام الشرفاء، غطاء رحمة من كل محنة.

ـ أنا الحاج إبراهيم مثلا، ألم أستفد من بركة السلاطين و ظل شجرة الأنساب و سيدي مولاي عبدالسلام بن مشيش في جود و القدر و التاريخ؟

ـ الله يهديك آ الحاج إبراهيم. ما يلزمك ذكر هذا و لا القول به.

تنبهه زوجته لالة الياقوت، داعية له للقيام للصلاة النافلة  و حمد الله و شكره و طلب ستره.

ـ آ لالة الياقوت. راني في امتحان صعب. تعلمين أن الذي يطل على الأمانة يطل على جهنم. و النبي العدنان سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم، قال : لا إيمان لمن لا أمانة له،  و لادين لمن لا عهد له*. الناس مرعوبة في هذا الزمان. و الأمانات التي تركوها عندي هي أرواحهم التي خافوا عليها. تركوها و مشوا. هل ماتوا؟ أم عاشوا؟ هل شكوا في بقائها أم إن الحاج إبراهيم خانها؟ تحرقني هذه الأسئلة. هذا الهمّ كبُرض. كلما بحثت عن أسبابه وجدت الاستعمار سببه... واش المجاعة في البلاد و فرنسيس تأخذ القمح و ترسله إلى أورا و بلادها؟ اخذوا رجالنا و ماتوا في حرب ليست حربنا. و كل ما حلّق مغربي بجناحيه و قال أنا حرّ، طارت رصاصة و مزقته في السماء و الأعشاش في قرحها باكية على الذي ذهب و لم يعد.

ذاك المعلم الفضيل، أتاني بأوراق مطوية. رسوم بلاده الفلاحية جهة وادي سبو. ما زال عنده الأمل في استرجاعها من فرانسيس. ها هي عندي في الحانوت مطمورة. قلت له : انتظر يخرج الاستعمار من أرضنا، و تلك الساعة اذهبْ لأرضك بلا أوراق.

آش رأيك آ لالة الياقوت؟

ـ التي ستأتي من عند ربي هي المزيانة آ الحاج. صلِّ ركيعات، و اطلب من الله الفرج.