ضحك اللقلاق المنتصب فوق صومعة المسجد الكبير. كان جوابه لقلقة سوريالية. فطفط بأجنحته ملقيا بظلالها على صغاره المعجبين بقامته و حجمه. نفث العش الغبار المتراكم على عيدانه خلال هذا اليوم الأخير من شهر يونيو. أذن المؤذن لصلاة المغرب. كان يعلم ان خشخشة الميكروفون بداية لندائه. و ذلك الفستان الذي يصعد الدرج بتؤدة منهكة الوصول، فرحا بتلابيبه و منبلجا بين سيقانه دللا و غنجا ، تبدى في ابتسامة ِ تحقيقٍ رغم الإجهاد في التنفس. ها هو ذا يسترخي على جسد وقف متكئا على سور الباحة المطلة من اعلى الدرج رقم 365. هي باب الريح التي غابت عنها ( ديلار ) لمدة عشرة سنوات. ها هي قد عادت، و لو أنها لم تصل إلا مع نهاية هذا اليوم من بداية الصيف. لكنه يبدو أنه وصول في وقت شاعري مناسب للعشاق و الحالمين، وقت الغسق الذي يزين الأفق البعيد ممتدا عبر لوحات التلال و الهضاب المترامية الأطراف على جوانب جسد المدينة السفلية من ( تازة).ـ
عشر سنوات بالتمام و الكمال. يوم حزمت حقيبتها و ودّعت أسرتها. كانت محطة القطار ساحة ذرف لدموع جففتها رياحه المخترقة للوجهة الجديدة: مطار الدار البيضاء ،الطائرة المتجهة إلى كندا، إلى مدينة مونتريال.ـ
ـ كندا مرة واحدة. هكذا صرخت الأم و هي تتلقى خبر قرار ابنتها ( ديلار )في الهجرة مع زوجها الجديد إلى القارة الأمريكية، و إلى بلاد الثلوج . لن ترى ابنتها إلا بعد سنتين على الأقل.ـ
و كذلك كان. لم تعد بنتها إلا بعد أربع سنوات، دون ان تسمح لها الفرصة لزيارة و رؤية مدينة طفولتها و صباها و عشقها الأول : تازة.ـ
ها هي الان واقفة على بوابة الريح ( باب الريح)، بعد عشر سنوات من الغياب.ـ
خفقان جديد و غريب يعود بنسيم الوجدان المختلج إلى ذكريات اجترحت بالغربة و بالغياب و الاشتياق.ـ