Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Menu
أقفاص 4

أقفاص 4

أقفاص 4أقفاص 4

 

مرت سنة و نصف على إقامتنا الجديدة. أصبحت أشعر بالتميز و الرقي الوجودي بعد أن آنست حياة جديدة فيها شمس يومية من أجل الاستحمام و دوش أسبوعي من أجل التنظيف و لباس شتوي و آخر صيفي. فيها أكل منظم في أوقاته و زيارات للتفتيش  تضمنت احتراما لأشخاصنا رغم أنها كانت جافة في مادة الكلام إلا ما قلّا و دلّ. صرامة نبّهتنا إلى أن المطلوب منا تعلم الصمت و الطاعة وعدم الاعتراض حتى على الابتسامة المقيسة بحجم اللحظة و الكلمة و بمشيئة مخاطبِنا الذي سيصبح مدوّن أقوالنا و مجدد توقيعاتنا على التزاماتنا المكتوبة و حسن سيرة أفكارنا.

آثرنا قَبول هذه اللعبة في انتظار الآت. على الأقل أنها أحيت بعملياتها المنطقية و تعابيرها اللغوية عقولنا و ذكاءنا بالمقارنة مع درجات وصولها إلى بدائية التفكير و غرائزية التحقيق و وجودية المقاومة و حلْم الحياة.

ارتجّ العالم الخارجي في صخب قضيتنا و ملفات الاعتقال القسري و السري و الاختطافات و الاغتيالات، و كنا نحن أبطال الفيلم السينمائي الذين ينتظرون الأدوار المقبلة. ممنوع علينا أن نشارك الجمهور في الانفعالات و ردود الفعل. ممنوع علينا أن نبيد برأينا السياسي و القانوني و الحقوقي فيما وقع و يقع. نحن قفص الاتهام و موضوع الاشتغال.

كان لمحاميّنا و لكاتب التقارير في حضرته دور كبير في تهييئنا لهذه المرحلة الجديدة. حصلنا على كتب محددة من أجل القراءة، و على وعد بمتابعة الدراسة. بعد رجة البرلمان التي زوبعت جبل الخوف الراكد بركانا في قلوب شعوبنا و التي صرخ بها انفجارا مستأسدا بصوت حمام وديع في هديله، هو سحر السياسي أيت يدّر، انقلبت معاملتنا إلا متناقضات غريبة. أبدت إدارة السجن من خلال تنفيذها للتعاليم و الأوامر صورها في الرغبة في تصفيتنا و إعادتنا إلى جبل الموت و قبو جهنم داخله، و مرة في الرغبة في التخلص منا و رمينا إلى الشارع خارج الأسوار، و في لحظات تعقلها و هدوء خطابها تكون الوعود بمزيد من الحقوق داخل وخلال إقامتنا الجديدة في مؤسستها.

ها نحن أصبحنا بوفرة أحداث و تفاعلات أشعرتنا بالانتماء لعالم الأحياء. استغربنا حينما سألونا عن شخصية بنسعيد أيت يدّر. جلنا لم يكن يعرفه أو إنه سمع عنه و سجّله في ذاكرته و مخياله كمناضل حكم بالإعدام مرات متعددة. لكن ماذا أصبح و ما الذي صارت إليه أمور السياسة معه و مع وطننا خلال مرحلة اختفائنا عن لعبة الحياة، لا أحد منا علِم بجواب يشفي غليل المستجوب و كاتب التقرير خلال الاستجواب.

ـ ما علاقتكم بتنظيم 23 مارس؟

ـ لا علاقة.

ـ مواطنون ف خدمة الوطن.

ـ عدالة مطلوبة في الحركة.

...

ـ هل تواصل معكم بنسعيد أيت يدر و نسّق معكم قبل مجيئكم إلى هنا؟

ـ لم نأت إلى هنا مباشرة. كنا منسيين في جبل منسي.

ـ هذا ليس بالجواب المناسب. تعلّم أن تجيب بمختصر القول بدون زيادة أو نقصان. مثلا قلْ: لا علاقة. فقط. واضح؟

ـ واضح يا أستاذ.

و أصبحت لنا حكايا مفترضة. كما أصبحت لنا مكتبة خاصة و مشتركة. تعلمت من خلال كل هذا أن أرسم الهدف الآت مباشرة بدون التفات لشيء آخر. كتبت طلبا خطيا ألحّ فيه على العودة لمتابعة الدراسة الجامعية. كنت في سنتي الجامعية الأخيرة. و يا ما كررت مستويات دراستها السابقة. كنا نرفض اجتياز امتحانات نهاية السنة حتى لا نخرج من الحياة الجامعية و مدينتها. حققت ذلك التحدي مرتين على الأقل. لا زلت أتذكر بأنني في مرة كانت عندي رغبة في النجاح و لكنني حينما سربت أرجعت الأمر إلى رغبتي في البقاء الخالد داخل الحرم الجامعي جنة النضال و شيوعية العيش الوجودي و الفكري و السياسي. تلك قلعتنا التي نواجه بها العالم.

بعد سنتين من إقامتنا ضيوفا على تحت سماء النوارس هناك على ضفاف مسموعة الهدير، نلت شهادة الإجازة في الفلسفة. بعد سنة من ذلك أصبح لنا اعتراف في الخارج. أصبح العالم يعرف بوجودنا. هؤلاء الذين كانوا مختفين، ها هم قد عادوا للحياة و للرغبة فيها. أما من مات فرحمة الله عليه. أو ليأكله الطير في رحلته.

و أصبحت الزيارات اختبارا شقيا و سعيدا في آن لقلوبنا. أيقظت المواجع فعلا. انهارت النفسيات مع نزف أسلاك الاعتقال الشوكية من عمود صلبنا. بكى كل طفل في دواخلنا و نعى كل واحد منا الأموات سواء من داخل مجموعتنا أو من مجموعات أخرى أو من أهلنا الذين عاشوا مرارة الغياب. أنظر إلى الجدار المجير من جديد و أخاطبه محاكما لبياضه الأعمى. و ما كنت أجلد سوى نفسي في هذا العتاب.