Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Menu
الرمز بين الحقيقة والتوظيف  و  استكانة الوحش داخل الأسطورة  حسن إمامي

الرمز بين الحقيقة والتوظيف و استكانة الوحش داخل الأسطورة حسن إمامي

الرمز بين الحقيقة والتوظيف  و  استكانة الوحش داخل الأسطورة  حسن إمامي

الرمز بين الحقيقة والتوظيف

أو

استكانة الوحش داخل الأسطورة

حسن إمامي

 

ستكون الصورة بوجهيها المتناقضين والمتعايشين. سيتم الحديث عن ظاهرة نفسية وثقافية تُحوّل درجات الحدة والاهتمام، وتغيّر المواقف المتخذة مع الزمن.

في الواجهة الأولى تحضر صورة الثائر تشي غيفارا·. وبتأمّلها نستحضر سيرة بطل ثوري، شارك في العمل المسلح من أجل تحرير مجموعة من الشعوب كما نظّر للفكر والعمل الثوريين من خلال كتابة مذكّراته المشهورة والتي يعتمدها رواد النهج الثوري في نضالهم السياسي عموما. تتشكّل الواجهة الأولى هاته من شخصية طبيب تحوّل إلى حمل السلاح واستطاع برفقة رفاق الدرب أن يساهم في تحرير الشعب الكوبي من قبضة دكتاتورية مستبدة. ربما كان السياق التاريخي مناسبا لكي يصبح تشي غيفارا رمزا للحرية والتحرر، رمزا للشجاعة والقدرة على اختراق جدار الخوف الذي يرعب نفوس المقهورين، رمزا لقدرة الشخص على الانصهار وتجديد الانتماء لطبقة الكادحين.

هكذا تحوّلت شخصية البطل إلى صاحب رسالة سينقلها وينشرها ويشارك فيها عبر العالم. ولعل برهان تخليه عن منصب الاستوزار في حكومة كوبا عهد الثورة الكوبية رفقة فيديل كاسترو وذهابه من جديد لحمل السلاح والمساهمة في تحرر الشعوب القابعة تحت سطوة الأنظمة الدكتاتورية، أعطى لشخصيته كاريزما قوية وكبيرة ستكون أمل مجموعة من الحركات الثورية في الارتواء بها قدوة وسيرة ونهجا، كقطرة ماء في سراب صحراء وعدت بها كجرعة للاستمرار في السير والبحث عن خلاص.

هذا الخلاص لن يكون جنة موعودة في الحياة الآخرة كما رسمتها الأديان السماوية بالخصوص، بل هو خلاص ممكن واقعيا، يحرر من القيد ومن السجن ومن القهر ومن الاستغلال. يعيد كفة الميزان إلى اعتدال جديد وعدالة مطالبٌ بها من أجل رفع الظلم ومحاسبة الظالم. سيشعر المسيحي كما غيره بأن مشروع الخلاص الدنيوي ممكن مع فكر غيفاري أو ماركسي لينيني أو ما سايرهما في تبني أطروحة متقاطعة.

ستتطور الدراما لكي تعيد الإحباط من جديد في نفسية المتعطّش للحرية والعدالة التاريخية. ستستطيع الإمبرالية التي حاربها تشي غيفارا بجميع تجلياتها السيادية والتبعية الخادمة، بجميع مؤسساتها العسكرية والسياسية والمخابراتية والاقتصادية الزاحفة، أن تغتال البطل ـ الرمز الذي أصبح أمل الشعوب في مزيد أمل من أجل التحرر والانعتاق من قبضة أخطبوط كبير، وحش مفترس لا يرحم في منافساته ولا في صراعه واستغلاله ولا في حروبه التي يتغذى بها لكي يجدد دماءه ويبري أنيابه بها.

ما يستطيعه هذا الوحش هو قدرته على التلوّن وعلى التحول وعلى التشكل. كل الألفاظ والعبارات التي تحملها هذه الدلالات حاضرة في تحليله. يستطيع أن يوظف جميع أشكال إبداعه وتقنياته وخياله من أجل تلميع صورته ومن أجل خداع مشاهده ومتتبعه.

مشاهِد ومتتبع؟ هل سيكون ممثلا أو صانع فرجة؟

أكيد ما دامت السياسة عنده مرتبطة بالحملات الإعلامية وما تروجه وسائل الإعلام من خطاب ومن تضليل ومن مراقبة وغسل دماغ وتشويش على الوعي وعلى الفهم السليم. سيلعب الوحش على وتيرة النسيان لكي يفرض صورة جديدة وصياغة جديدة للحكاية. سيكتسح بها العقول التي سيستطيع دمغجتها وتضليلها وقودها إلى ما يفرضه كفهم وكتفسير للحكاية. سيكون هو ذلك الذئب الذي افترس الجدة واستلقى في سريرها حتى يخدع الفتاة التي ستزور جدتها في تحضير لمصيدتها وافتراسها بنعومة جديدة.

سيكون منطق القوة هو منطق الفهم والصواب المفروض ولو كان خطأً. وحين رؤية الأفلام المنتوجة حول قضية تشي غيفارا سنلاحظ التجاذب كما التباين في صياغة الحكاية والقضية. لكننا ستلاحظ الاستكانة التي ستجرنا لها القصة سواء كمنتجين أو كمشاهدين، كإمبريالية مفترسة أو كشعوب ضحية، سنتفق كلانا على استسلام جديد لقدر الغالب وتسليم المغلوب. فلكل قصة نهاية وانتصار وانهزام. وكما الأساطير التي طبعت بحبكتها منطقها ولو لم يكن عادلا فهو منطق الغلبة دائما.

وهنا ستصبح الأسطورة مستعينة بالتكنولوجيا وخيال وسائل الإعلام والسينما والموسيقى والتشكيل، وكل ما سيخدم الصورة الجديدة ووظيفتها. وكأننا في إخراج غرائبي للأحداث !

فعلا هو غرائبي سيستفيد من الخيال الكافكاوي· في صناعة الصورة التي يريد. كيف سيكون التحول داخل شخصية الضحية ـ البطل، لكي تصبح رمزيتها مرتبطة بنمطية ثقافية وسلوكية جديدة، وكأنها من الأساطير الغابرة والمستحيلة الاستحضار. وكأنها أصبحت صالحة للإشهار وللوظيفة الجديدة في التمرد الذي لن يعني سوى التمرد الخادم للاستهلاك الرأسمالي والاستسلام لقوته وانتصاراته وثقافته.

هكذا، حينما نرى صورة تشي غيفارا كملصق على صدرية قميص أو لباس صيفي اليوم، نسارع إلى الاندهاش قبل الاقتناء وقبل أن نجعله كلباس رمزا للموضة الشبابية المتمردة على الأعراف والمنغمسة في أشكال الترويج الاستهلاكي المادي والثقافي والسلوكي، ما يخدم الصناعة الرأسمالية والمشروع الإمبرالي إذا سمح لنا هذا الوحش من استعارة وصفه لوصف الحال الجديد.

ومع التقادم ستصبح شخصية تشي غيفارا عند الأجيال التي تروضها الثقافة الإعلامية والاستهلاكية الرأسمالية مثل شخصية هندي قديم مارس بطولته التي ستنتمي بحكم صناعة الرأي من طرف صناع القرار الإعلامي الرأسمالي، إلى الماضي الذي لا يمكنه أن  يناسب الحاضر أو المستقبل. يمكننا استحضار شخصيات (النسر الأسودBlack Hawk، أو الثور الوحشي الأمريكيSitting Bull، أو غيرهما)·. ستصبح شخصية هذا الثوري مجرد ثقافة تعني التمرد دون أن يكون مشروع وعي معقلن بضرورات التمرد. لكن ميزة هذا الرمز الثوري الجديد كونه من جنس المهاجرين المستوطنين للعالم الجديد. شرعيته حداثية بحكم خطابه المتجاوز للعبة الاستعمار القديم الجديد.

نفس الأمر تتم برمجته لشخصيات أخرى كانت محاربة للنظام ويتمّ التقاط "فلاشات" لها كل مرة داخل المشاهد الإخبارية والسينمائية والمسلسلات البوليسية والتحقيقية، ما يخندقها ضمن دائرة الشر أو رمز الشر والإرهاب، وتكون المعالجات وطرق الخلاص لنشر السعادة والفرحة والأمان بالقضاء على كل ما يرتبط بها قضية أو سياسة، كل ما يمكننا إلصاقه بها سواء كان حقيقة او تضليلا، فقط لكي تستمر الآلة الإعلامية في خدمة الرسالة الإمبريالية الضخمة التي أصبحت تموّل بشكل كبير هذه المشاريع الفنية لأجل خدمة السياسة مع درّ الأرباح داخل كل صناعة سواء إعلامية أو إشهارية أو سينمائية أو غيرها. ويضاف إلى ما اجتهدنا فيه هنا أن هذا الوحش خلق وحوشا جديدة بقدر تبريته لأظافرها بقدر شحنه لها ببطاريات الخطاب والحركة والتوجيه الذي سيخدم مصالح الوحش الكبير. والجديد في اللعبة أنه يتغذى من أموالها وخيراتها ويموّل حملاته الناعمة والمسعورة من عائداتها ومن الجبايات التي يفرضها عليها في كل حركة داخل رقعة شطرنج جغرافيا العالم الفسيح الذي يتعايش فيها الإنسان مع المادة ومع لعاب الوحش الكبير الآن.

وهكذا نخلُص للقول من زاوية فنية فقط بأن الصناعة السينمائية استطاعت أن تحقق الهدف الثقافي والسياسي والإعلامي الذي يريده الإمبريالي، والذي يجعله ناعما رغم كونه وحشا، جدة حنونا رغم كونه ذئبا، ضحية رغم كونه مجرما... كما أن الصناعة الإعلامية استطاعت أن توظف رمزية البطل بصورة جديدة تستغلها في الاستثمار والترويج التجاري وفي تداخل مع ميادين أخرى تستطيع من خلالها تليين المواقف وتحويل الرؤى والأفهام وتضليل العقل حتى لا يعرف الحقيقة أو فرض الصيغة التي يريدها الوحش لكي يفكر بها الضحية بالقوة. ولا منطق سوى للقوة في الإخراج هنا في هذا السياق.

فكيف نخرج الرمز من داخل الأسطورة؟ وكيف نعيد الروح لشخصيتها بدل أن تحتلها أرواح وتتلاعب بكرامتها وتتاجر بصورتها ورمزيتها؟ وكفانا كلاما خارج الصورة.

 

·  ـ عرف باسم تشي، وهو رمز ثورة عام 1959 في كوبا والكاتب والمفكر، كما كان دبلوماسيًا ومنظرًا عسكريًا. ولد أرنستو تشي جيفارا في 14 يونيو/حزيران 1928، في روزاريو (الأرجنتين)، وتوفي قتلا بالرصاص وهو في التاسعة والثلاثين من عمره، في بوليفيا  في خضم نضاله الثوري.

 

·  ـ الاستحضار هنا لرواية التحول La Métamorphose (Die Verwandlung) للكاتب  الألماني فرانز كافكا (1883/1924)، والتي صدرت أول مرة سنة 1915.

·  ـ بعض رموز المقاومة والتمرد الهندو أمريكي والتي اشتهرت في مواجهة هذا الوافد على القارة عبر عقود وقرون مهمة.