Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Menu
عصبيات ذهنية ـ 1

عصبيات ذهنية ـ 1

عصبيات ذهنية ـ 1

عصبيات ذهنية

 

قد يتيه مقام الحديث في كلمة العصبية حتى إن تجلياتها أمثلة موضوعية صنعت تاريخ البشرية، وبالخصوص في مقام لغتنا، تاريخ الشعوب العربية الإسلامية. لكن ما لفت الانتباه في تتبع مجموعة من الدراسات والتحاليل هو ذلك التناول الذي يتضمنه كم من خطاب لمجموعة من القضايا والإشكاليات ذات البعد الفلسفي والسياسي والثقافي والإيديولوجي. ولعل ما يجمع بين هذه الجوانب الأخيرة كونها خطابا أولا، وكونها برنامجا ثانيا، وكونها سلطة على العقل كما على الواقع وعلى المتلقي لها ثالثا.

هي اجتهادات في تحديد الزوايا التي ستسعف في تثبيت الظاهرة ومحاولة تشخصيها كما هي، ومحاولة تحليلها وتفسيرها وتذكيرها بالممكن تجاوزه وبالضروري التخلي عنه.

إذا كانت العصبية في اللغة المعجمية هي المحاماة والمدافعة عمن يلزمك أمره، فإنها هنا لا تسقط عصبية القبيلة ولا الطائفة ولا الفئة ولا المذهب. لكنها تتوغل هنا مع العنوان إلى جوهر الفرد ألا وهو ذهنه الذي يفكر به والذي يبني به جهاز عقله وبرمجة وعيه ومواقفه وسلوكاته. كيف تتحول التحاليل الذهنية إلى عصبية مفروضة على الذات؟ كيف تخترق لغتنا وخطابنا وسلوكنا فتجعلها متعسفة على كل موضوعية، منساقة إلى جهة من الرؤية دون شموليتها، فيختلّ سير التطور التاريخي ويتقهقر الوعي ليضيّع فرص مواكبته للجديد الحضاري والثقافي والإنساني.

لقد مرت الإنسانية من مجموعة تجارب خلال القرن العشرين وبداية الألفية الثالثة، ولعل أقل ما نسجله هو انهيار قدسية الإيديولوجيات الكبيرة رغم استمرارية حضورها المتأزم إن يمينا أو يسارا، عقلا أو وجدانا. ولكونها إيديولوجية فقد أرادت أن تكون محكمة لا يطالها عيب، ولا يأتيها باطل من بين يديها ولا من خلفها، وتلك تعابير المتعصبين داخلها.

وإذا كان التفاعل الجدلي يزيدها تعصبا وتمسكا بذهبية أبراجها المحصنة من كل تعديل هندسي وبنيوي فإنه كرِدّةِ فعلٍ سِرُّ ضعفها كذلك، ما دام مدًّا ينحت من صخورها العمياء فيشق معالم تغيير آتٍ لا محالة، والمحوّل لها إلى شطآن منسابة لتموجات الرمل والماء حتى يصبح الأطفال يرسمون على ضفافها أحلامهم المتغيرة وخيالهم البريء الجديد.

 وعودة من بلاغة اللغة إلى عري الدلالة القابعة في كل تحليل، نلاحظ أن كم من خطاب جديد يحاول تكرار الماضي والانتصار لما سبق، وهدم عناصر تحوله وتغييره، فقط ليعيد الكتاب إلى صفحته الأولى والتي تجاوزها الزمن فرضية وحكاية ومعطى وتصورا...

ولكي نقوم بتجلية الغموض أكثر وننتقل من الإشارات إلى العبارات، ونكفي اللغة شر مبهماتنا ومراوغتنا، فما يسود  من خطاب اليوم والذي يعيد صراعات تقليدية خفية الآن، وما كان بين الخطاب الفلسفي الاشتراكي الشيوعي ونظيره الإسلامي الأصولي، وبين هذا وذاك وثالثهما العلماني الحداثي، على مستوى الفكر المجرد دون انزياحاته الواقعية التي تشكله لوحات مختلفة فوق مربعات رقعة اللعِب الجغرافية ـ سياسية، نسجل أنه كم من خطاب يعطل حركة التاريخ وفرص الإنسانية في تطور أفضل نوعا وكيفا ومعاصَرة.

وقارىء هذه السطور تعيده إلى عمق الوادي الذي يجري فيه نهر أفكاره، وقد تطفو مفرقعات أو تقرقع محارات حاضنة لهذا القديم الذي نريد تجديد نهر تفكيره وذ هن جريانه.
عسانا.