سيرة قرية ـ سيرة عائلة بين المنطلقات و الامتدادات القراءة النقدية حول رواية ( قرية ابن السيد ) محمد إدارغة ـ (1)ـ

سيرة قرية ـ سيرة عائلة

بين المنطلقات و الامتدادات

في حدود علمي تتفرش و تتوزع غواية الانكتاب و الكتابة لدى الأديب حسن إمامي بين أربعة مسالك هي :

القصة القصيرة بشقيها، القصيدة، الرواية و لنقد. لست أدري ـ إلى حدود الآن و هنا ـ متى انغوى بنشوة الانفلات إلى مدارات هذه الدروب الكتابية، و أي جنس أدبي من هذه المسارب الأربعة كان السبّاق إلى الإمساك بتلابيب قلمه و ورقه فوشّح فيه و انوشح بأول نص. الذي أدريه ـ يقينا و تأكيدا ـ أنه يزاول فعل الكتابة في هذه الأجناس الأربعة، و أنه ساهم في عدة أنشطة ثقافية بقراءات قصصية، شعرية و نقدية، و أنه يكتب الرواية، و تحت رعايتها الفعلية أنجب أعمالا أجهل عددها. و منها هذا المنجز الروائي الموسوم ب " قرية ابن السيد ".

لست أدري بعين الضبط و التحديد عدد المرات التي اختلى فيها المبدع حسن إمامي خلوات شرعية أولى بهذا المولود الروائي، بدءأ من يوم انبلاج الفكرة، و اشتعال الرغبة، و انطلاق البذرة، قبل أن يعتكف في قدرها، يرعى انسراح جذورها في التربة إلى أن تبثت وتجذرت، و يرعى تبلور جذعها و اكتمال استدارته، و يحدب على فرعه تربية و  تهذيبا، و على ما تفرع منها من أغصان و أوراق أخضلت فاخضرت فأزهرت ثم أثمرت... و بهذه الأفعال الرعوية حرص على حسن و جودة التلقيح، و حسن الإنصات إلى ذبذبات الوجع و استقرار الجنين في قرار مكين، قبل التوليد الطبيعي و سلامة القبول و الاستقبال، ثم التنشئة اللائقة قبل اشتداد العود و استقامة القوام.

من البديهي أن يحتفظ الكاتب لنفسه بأسرار هذه الأطوار الأولى، لكن حسن إمامي ابتغى خلاف هذا العرف و فضح ـ و هو في كامل قواه النفسية الفاعلة التفاعلية ـ عن بعض مراحل تكون هذه الكينونة الروائية الأولى، عندما أودع بعض مقربيه أمانة كتابة أولى ثم ثانية. و بهذا الصنيع الفاضل منه تأتت لي قراءتان لهذا العمل الروائي في صيغته المرقونة.

و على ضوء قراءتي للنسخة المرقونة الثانية كتبت نص الكلمة المثبتة على الغلاف. و لما قبض لهذه الرواية أن تنفلت من تفاريج الخط إلى الرقن إلى الانوجاد الطباعي انكببت على العديد من كلمات و تراتيب شبكتها اللغوية، و هو ما رخص في هندسة تصور أولي لأجرة المقاربة الآتية، مؤجلا قراءة أخرى ممكنة، قد تسمح بالمقارنة بين النسخ الثلاث، و التي من المفترض أن تؤكد أن المبدع حسن إمامي يؤثر العمل و الترتيب و إنضاج إبداعه على مهل قبل أن يضعه بين أيدي القراء احتراما لنفسه مبدعا و للقارئ مستقبلا متلقيا. و ليست هذه المقاربة سوى ولوجية ممكنة في تلقي و استقبال هذه الباكورة الروائية الأولى للقاص، الناقد، و الروائي حسن إمامي، و قد ارتأيت أجرأة هذه القراءة المقاربة وفق المراحل التالية، حيث استقر الرأي على الاقتراب منها، في صيغة اقتراح بنيات كبرى هي في تصوري ولوجيات يقترحها السفر الروائي نفسه، اعتبار بروزه و إبرازه في شكل ظواهر فنية جمالية و فكرية جديرة بالتوقف و التأمل:

 ـ بنية العتبات :

الكتاب المستهدف طبعا يتمثل في رواية تحمل عنوان ( قرية ابن السيد ) لصاحبها حسن إمامي. صدرت طبعتها الأولى عام 1435 ه موافق 2014 م من مطبعة أميمة بفاس في 203 صفحة. و قد انوشت الواجهة الأمامية بالعتبات الثلاثية الاتعيادية التي هي أول ما يطل و يباشر نظر القارىء في الدفة الأولى من كل كتاب إبداعي. و باعتبار هذا العرف التقليدي كان ممكنا جدا العبور بها عبورا كريما خفيفا. غير أنها ـ في هذا لمصنف الروائي ـ تستوجب وجوب موقعتها موقع الاستثناء، بحكم زخم حضورها السيدي القوي في عديد مواضع من الرواية تحت ألوية أشكال و تمظهرات و تجسدات تجمع بين الاختلاف و الائتلاف في سياق معادلة أملت نفسها تلقائيا أو إراديا. و بالتالي أملت حفريات إركيولوجية في معطيات و مقتضيات القصدية و اللاقصدية، القاعدة و الاستثناء،  الواقع و الافتراض.

و اسم المؤلف ( حسن إمامي ) يتصدر هذه العتبات باعتباره اسما يعلن حضوره بصيغة أو بأخرى في الشبكة المعجمية للرواية، و بالتالي يسمح بجني حصاد معنوي و دلالي قمين بالتنبيه و الإشارة و الاستخلاص :

1 ـ حسن : ( اسما شخصيا في الأصل )، ثلاثي الحرف ( ح، س ، ن)، و الحاء سادس حروف الهجاء، و تزخر الرواية بعدة إشارات موقعية تحيل على هذا العدد : (6): ص 9 ( جمع ستة من رجال المنطقة )، ص 21 ( جئتكم أحبائي بعد غياب ست سنوات )، ص 47 ( أجابت عنه السنون الستة )/ ص 74 ( من بين ستة إخوة و أخوات). ص 129( أجاب ستة و عشرون)، ص 179 ( تلقتها طفلة صغيرة في السادسة من عمرها...)، ص 179 ( في السادسة صباحا)، 7 إشارات. و الحاء الحرف الثامن في نظام الألفية سنفصل فيها القول و الاستنتاج في زاوية ( البنية العددية ). و يمكن النظر أيضا إلى هذا الاسم من المنظور اللغوي طبق الإشارات التالية:

أ ـ حسُ و حسَن ( بضم السين و فتحها). حُسنا/ كان جميلا فهو حسن.

الحُسن الجمال ـ الحسَن: العظم الذي يلي المرفق. الكثب العالي.

الأحسن : تفضيل الحسن.

و قد جاء في الرواية بنفس الجناس الاشتقاقي :

ص47 ( حسنة ): الفعل الحسن ـ المعروف.

أحسن ( اسم تفضيل ) ص101.

حُسن ( مصدرا ): حُسن استماعكم ( ص118). حُسن إدراج ص 151. حُسن قدها و قوامها ص184.

و من مرادفاته ( الجمال ): جمُل يجمُل جمالا : حسُن خلُقا و خلقا. و قد استعمل الكاتب هذا اللفظ و مستقاته بكثافة ظاهرة و باشتقاقات متعددة منها : جمال، الجمال، الجميلة، الجميل، جميل، جميلة، الجمالية، أجمل... و نحيل على بعضها تمثيلا ى حصرا : ص 180 ( الجميل أن... ص 188: جميل ذلك الشريط... ص 189 : جميلة القصة سعيد... ص 193 : محاضرة جميلةـ جميل... ص 194: فهو في غاية الجمالية... ص 195 : جمال الأجساد... ص 89 : المنظر الجميل...

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بهاء، بهي، بهاء: حسُن. ص 89 : و يوزع بين ضفافه بهاء عمرانها.

ص 101 : كشظايا مرآة فقدت بريقها و بهاءها.

و توارى عن دوره البهي و الفضي و الإشعاعي.

ب ـ إمامي : نسبة إلى إمام، و الإمام للمذكر و المؤنث/ من يُؤتمّ أي يقتدى به. ما يمتثل عليه المثال. الطريق الواضح. و الإمامة الرئاسة العامة. و قد ترددت كلمة الإمام في النص الروائي مرات عديدة :

ـ الإمام: ص 4 ( أصبح شيخنا الإمام. ص 9 : بعد صلاة الفجر، و التي أداها إمام...

ص 182 : علي بن المعطي بن شعيب، حفيد الشاعر إمام مسجدها الحالي... علي الإمام...

ص 194 : وعده إمام المسجد... وجود قصيدة الشاعر أب الإمام...

ص 194: وجود قصيدة الشاعر أب الإمام.

( الإمام ) : في هذه الإشارات صفة وصفية لشخصيات روائية، بينما هي صفة علمية دينية تقديرية لعلَمين ورد اسماهما في الرواية  ص 54 ، الإمام ابن رشد، و ص 160 و 103 : الإمام السبتي ).

إذن، وظف هذا الاصطلاح 8 مرات، موزعة بين توصيف خيالي افتراضي و توصيف واقعي.

و الإمام مقابل دلالة المأموم. و في ص 9 : للجماعة المأمومة.

و الفعل ( أم ): إمامة و أمًّا و إماما: القوم و بالقوم، تقدمهم و كان لهم إمام. و في الرواية: ص 10 ( يؤم الناس في المسجد )، و ص 23 : قبر ابن السيد أصبح يؤمه الناس للتبرك به./ يؤم هنا بمعنى يقصد.

و من هذا الباب المعجمي انفلتت إلى مدارات العمل الروائي عدة أوجه اشتقاقية:

الأم: أصل الشيء ـ الواعدة./ ص11: الأم : الكبر، الأرض. ص 42: كمن يعود إلى حضن أمه. ص 94: هي سماح في ذوق الأم منذ الصغر. ص 144: إلى جانب شوق زيارتها قرية جدتها من أمها لليونان. ص 144: كيف هاجرت جدة أمها إلى كندا. ص 161: أم المعطي بن شعيب. ص: 179: ساعدتها أمها. ص 179: و أيقظت أباها و أمها.

ب ـ إمامي: و نتوقف عند حرفي الهمزة و الميم:

ـ الهمزة في أول الكلام: إذا ـ إذن. الآن...

الأسماء: الشخصيات: أمغار ـ آيت عقا ـ أمزيان ـ أختير ـ الأب أنطونيو ـ امحمد.

الأعلام : ابن عربي ـ ابن رشد ـ أبو عبدالله محمد بن سليمان الجزولي.

الفضاءات: آسفي ـ آسيا ـ إسبانيا ـ أوربا ـ إفريقيا ـ أكادير ـ إيطاليا ـ ألمانيا....

ـ الميم : الحرف الأشد حضورا و كثافة على الإطلاق، و بتمظهرات متعددة:

على شاكلة ترددها المثنوي في إمامي، يتردد هذا الحرف مرتين أو ثلاث مرات في مجموعه: في الظرف أمام. في الأسماء: مجال الشخصيات الروائية : فاطمة، أمغار، أم المعطي، موحى و سعيد....

مجال الفضاءات: لفظ مدينة إفرادا: 14 مرة تنكيرا و 19 مرة تعريفا. لفظ مدينة جمعا: مدن ـ المدن: مراكش ت قبائل مصمودة ـ الشياظمة ـ المدينة المنورة ـ مدن السمارة.

ـ لغة التسامح ـ السلم ـ السلام ـ الجمال.

الحروف :

مِنْ: 403 مرة./مَن: استفهامية أو موصولية 192 مرة./ إنما: حرفان مركبان/ ثم 8 مرات / أم 19 مرة / تم 16 مرة/ كما 48 مرة/ لم 102/لِمَ 3 / ماذا 17 مرة / لماذا 9/متى 3/مما 6/نعم 15/تيمما 1/ فيما 8 /...

الظروف :

بينما 9 / حينما 18 /ربما، عندما 2 / كلما، لما 8 / مرة، مع 204/ أما 18 مرة.