Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Menu
ديمقراطية التنزيل

ديمقراطية التنزيل

ديمقراطية التنزيل

أول ما يتبادر للذهن حين محاولة تناول موضوع متشعب مثل هذا، هو إبداء صعوبة المعالجة من حيث مقاربة التحقيق للأفكار و مدى قدرتها على أن تكون واقعية ملموسة و مفعَّلة.

قد يبقى التناول مثاليا ما دام لا يمتلك القدرة على التشكل في الواقع إذن. لكن الأمر يستحق الخوض ما دام الوعي هو أساس القوة التاريخية الزاحفة على المستقبل بجدلياته و تموقعاته. ما دام هذا الوعي يرصد الخطوات و يفكك ميكانيزمات التحكم عن ميكانيزمات التغيير المطلوب في التغيير و الإصلاح و التصحيح. أيًّا ما كانت صيغة الرؤية للمنشود فإنها تبقى ذات شرعية للخوض في موضوعنا هذا.

ماذا سيكون هذا التناول  و هو متداخل في مجموعة من الميادين و المجالات و أساليب التحقيق لسياسات عديدة؟ هي مقارنة بين سياسة و عقلية البروتوكول، و بين سياسة و عقلية التفعيل الديمقراطي للمشاريع.

كان اختيار العنوان صعبا بدرجة صعوبة احتوائه لجميع العناصر المطلوبة. مثلا، قولنا بالديمقراطة بين بروتوكول التحكم و جماهيرية التفعيل، أو قولنا مشاريع التنمية المجتمعية بين سياسة البروتوكول ديمقراطية التحقيق. و داخل العنوان الثاني سنجد صعوبة في تضمين المحتوى المطلوب أو العناصر المرجوة. ذلك أن مفهوم الديمقراطية يبقى تضليليا ما دام يخضع لآليات و مقص يفصّلها بالمقاس المرغوب بحسب موازين القوى و بدرجة الوعي بالماصلح التي ندافع عنها و القناعات و القيم التي نؤمن بها. و لذلك نجدها كشعار عند جل النظمة التي تريد توازنا بين قوى متفاعلة داخل اللعب السياسية و المجتمعية نقابيا و ثقافيا و اقتصاديا...

هكذا سنجد أن الديمقراطية الحقيقية إنما هي التي تكون ممثلة لأكبر قاعدة مجتمعية و خادمة لأكبر قدر من المصالح الوطنية، و كذا هي التي تمثل الروح الجماعية و تحصر كإكسير في جل المشاريع و البرامج و الدساتير و القوانين. مثالية مرجوة قد تخدع البعض الذي لا يعيها أو الذي لا يقدر على الدفاع عنها و فرضها بقوة القانون و عدالة التاريخ و كرامة الشعوب.

يتبين لنا أن التحديد المفاهيمي و التضمين التطبيق لمجموعة من المفاهيم السياسية الديمقراطية و التنموية أساسي كمدخل للحديث الفعلي و الحقيقي عن معادلات التناول الإيجابي لمثل هذه المواضيع :

مشاريع التنمية بين هاجس البروتوكول و تحكماته و هاجس التنزيل الجماهيري للاستفادة منها.

عنوان طويل أصبح تفصيلا لما نريد تحقيقه في معالجة الموضوع. و قد كان الدافع لتناوله هو رؤية قرارات اجتماعات و توجيهات إدارية لا تعمل إلا بهاجس احترام البروتوكول مع الخوف من اختراقه و مخالفته. سياسات و قرارات لا يهمها درجة النجاعة في تحقيق المشاريع موضوعيا و واقعيا بدرجة ما يهمها التزام مسطرة البروتوكولات التي تتمأسس هرميا في طقوس شكلية و نجاح شخصي بيروقراطي في العمل، مع نرجسية إعلامية تضمن البروز في التقارير المرفوعة هرميا كذلك إلى الجهات العليا المشرفة على تنزيل سياسات الدولة والإدارة عموديا.

إن الدولة البيروقراطية بإحدى أوصافها الحاضر هنا لا يهمها كأفراد مسؤولين سوى النجاح في تفعيل الأوامر و خدمة التوجيهات العليا بحيث يكو ن تقريرها مراعيا لإرضاء المكتب الذي يتسلّمه. ماذا عن التفعيل الحقيقي لمضمون السياسة واهدافها الميدانية؟ لا يكم كل هذا. ليست له أولوية. الأولوية خوف على المنصب و حكم على الكفاءة بدرجة الطاعة العمياء و بدرجة خدم المنصب الأعلى بما يبين قيمته و إشعاعه إعلاميا و رسميا.

هكذا تفرغ مشاريع التنمية من محتوياتها لكي تكون مشاريع مناصب أشخاص و حفاظا على امتيازاتهم داخلها  و رقيهم بداخلها. قد يرفع التقرير أخضر بيئيا حتى نرضي جهة عليا، لكن الواقع يشهد على كوارثه الموضوعية و الحقيقية. قد نجعل حقيقة المشروع في حصره داخل ما يحضره المسؤول و  يتوج كرئيس لجلساته و مؤتمراته دون أن ننظر إلى مدى صلاحيته و فائدته و تعميمه في تحقيقه. و ما يهمّ؟ قد يبقى المشروع عقيما غير منتج، المهم أننا لم نخالف توجيهات رسمية عليا. لسنا بجاحدي نعمة الوطن في الحقيقة حتى نقبل بمثل هذا الواقع و هذا الجحود و السادية في ترصيع البدلة على حساب القيام بالواجب و خدمة المجتمع.

ترتكب أمامنا أخطاء فادحة، نعي حجمها و خطورتها، تكلف ميزانية الدولة التي ندفع من عرق جبيننا ثمنها و ميزانياتها، و لا نرض كما لا نستطيع تغيير شيء، فقط حرقة الوعي الشقي الذي يشتعل في شجرة أذهاننا.

كان البرنامج الاستعجالي في المنظومة التعليمية، و خُسرت ملايير الدراهم، و كانت القرارات التي ترفع كل مرحلة مرصعة و منمّقة، بهاجس الحفاظ على المنصب و كرسي الانتخابات، و كانت الموازاة سياسات استغلال لها من أجل الاغتناء و ربح الصفقات و هلم نهبا، كنا متفرجين لا نقدر على تغيير شيء. افتضح أمر التسيب و خطأ التقارير و استفحلت الكارثة التي ترجع إلى سوء التدبير و الغش في التنزيل و إلى استغلال الفرصة للاغتناء في أقرب الآجال دون مراعاة تحقيق المشروع من عدمه. و هكذا رُفِع القلم عن لعبة كأنها لعبة مجانين دون محاسبة و لا مراجعة، و انتقلنا إلى سياسة انتقالية انتظارية سرابية تائهة في الطريق حيث لا خارطة تقودنا لهدف و لتنمية و لتطور في الحقل الذي نتحدث فيه عنه خجلا.

 

عجز آخر نعيشه مفاهيميا فيجعل تصوراتنا مثالية لدرجة التفكير الخرافي الذي يمشي على خطى أوهام لا على خطى أرضية مادية ملموسة في التجريب. هذا العجز المفاهيمي يأتي في تقبّلنا لكل جديد إعلامي يحتويه الخطاب السياسي الرسمي و يروّج له كمشروع و كبديل و كحلّ، في حين أنه برنامج مُحضَّر لخدمة مصالح و سياسات و استراتيجيات بتكتيكات محددة.

من أكبر هذه المفاهيم ترويجا ضبابيا نجد مفهوم التنمية الذي أصبح قاطرة يركبها الإعلام الرسمي و الاحتواء لمشاريع القطاعات و ميزانياتها ز جعلها في قبضة مخزنية ترفع القلم عن المؤسسات التمثيلية للأمة و تجعل التقديس للمشرفين عليها. و كأن الميزانيات المخصصة لهذه المشاريع التنموية هبة معطاة من يد عليا، و منّة من مكرمين و ليست حقا عاما و مالا عاما.

خيوط اللعبة كبيرة و متفرعة. فإذا كانت مشاريع التنمية البشرية و المستدامة و الذاتية و غيرها، كلها مفاهيم برمجتها مشاريع أممية و مؤسات دولية من أجل النهزض بوضعية الشعوب النامية و مساعدتها على الخروج من معضلات التخلف، إضافة إلى ربط الدعم للدول و مباركة نهجها الديمقراطي يرتبط بالتزامها من طرف المسؤولين في كل دولة، فإن الركوب على حصان طروادة، و تحريك الركب وتبني ابتكاره من طرف حكومات عديدة من دول العالم النامي، جعلت تشويها في فهم حقيقة هذه التنمية منطلقاتها  و واقعيتها. هكذا أصبحت مثالية منزلة من السماء، و حلاّ مطلقا من هبة المؤسسات المتحكمة في رقاب و مصالح الشعوب. و بما أن هذه الشعوب فقيرة في تعليمها و وعيها و صحتها و ظروف عيشها و ليس في ثرواتها، فإنها تستسيغ و تقبل كل خطاب ينهج بها أملا و لو كان سرابا كما قلنا سابقا.

للشعوب سيرها التاريخي الذي تستقل به عن كل ادعاء بفضل النهوض بها. هو بنيتها التحتية و جغرافيتها و ثرواتها المادية و اللامادية، هو كذلك ثقافتها و تجاربها الحياتية التي تنتج سواعدها و عقولها. هو هذا و غيره رغم انه في كل حين يحتاج إلى سياسة تدبير معقلنة، لكنها لا يجب أن تكون مستبلدة و هادرة لفرصها التاريخية.

كما للسياسة أعداؤها الذين يموّهون الحقائق و يدجّلون المفاهيم و يعوّمون المسارات و ينشرون الملهاة عنها حتى إن الفرد يبقى تائها ضالا مستبلدا فوق رقعة شطرنج السياسة التي تتلاعب به و بمصالحه و غده.