Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Menu
اللغة و الكتابة ، بين  سيرورة التاريخ  وقيم التطور  :

اللغة و الكتابة ، بين سيرورة التاريخ وقيم التطور :

اللغة و الكتابة ، بين قيم التطور و سيرورة التاريخ :

 

يبدو العنوان طويلا نوعا ما ، و تبدو عناصره متعددة و موزعة بين ميادين شتى ، لكن  الاشتغال عليها يعطينا مقاربة نسبية لموضوع يوجه صيرورة التطور الحاصل عند البشرية جمعاء  في مجالات القيم التي تشكل شخصية و ثقافة و سلوك الإنسان ، و كذا لغة التعبير و الاستعمال و البوح و التواصل، لغة الإبداع و اختبار مقاييس الذوق الجمالي الذي يطوره الإنسان ...

لعل حقول الفن و الإبداع الأخرى كالرسم و التشكيل مثلا ، لا تعاني من قساوة التعامل و شدة الحراسة مثلما تعرفه استعمالات اللغة في التعبير بها داخل ألوان من الكتابة ، و خصوصا الكتابة الشعرية و القصصية و الروائية السردية عموما ... و ربما لكل حقل همومه ... لكن حقل الكتابة و التعبير باللغة يشكل قاعدة الهم المجتمعي الأكبر ، ما دام التداول التواصل و التفاهمي يتم بالحروف و الكلمات و الجمل و اساليب التعبير ، كرموز تعارفت عليها التجمعات الإنسانية ، و نقلتها كبنيات مترجمة لخدمة التواصل و العلاقات و تبادل المصالح ... فربما اللغة التي جردت العقل البشري و نقلته من الطبيعي الملموس إلى الفركي المتخيل و المجرد ، هي التي ستعمل على تنزيله و تعمل على تنزيل على أرض الواقع بتحقيقها أشكال التواصل و التقارب و التفاهم بين الأفراد و الجماعات ... إنما ستقوم بهذا الدور في إطار رسالة ثقافية و حضارية ، ربما هي التي تبقى مفترشة عرش السماء لكي يرقى دائما الإنسان إلى مصاف رغبتها الملائكية في تحقيق جمالية عيش و أسلوب حياة رفيع ...

منذ قدم العصور شكلت اللغة دورا مهما إذا ، و نابت عن الإنسان في الاحتفال بلحظات مجده و تعابيره و مواقفه الوجدانية ... بل خلّدت تأريخيا لذاكرته و ذكرياته و إنجازاته ... حملت اللغة طبعا تراث البشرية الذي عمل على تطورها الحضاري ، و انتقلت عبر عمليات الترجمة لكي تخصب في مختلف البيئات و الثقافات ، فأعطتنا تنوعا و جدلية إنتاجية و إبداعية ذهنية و عملية كان من ثمارها هذا التطور الحضاري الذي نعيشه اليوم ...

و داخل مجتمعاتنا العربية اليوم ، تحضر إشكالية الكتابة اللغوية ، و لغة الكتابة ... كما تحضر إشكالية القوالب المعتبرة لقياس درجة الإبداعية و الجمالية التعبيرية التي تصنف كل نوع من الكتابة كحقل تخصص متميز عن أُخَر ... و يبدو أن البنية الثقافية و العقلية المجتمعية تؤثر بشكل كبير في تصور حدود التصنيف و معاييره و درجات القَبول لتطوره و تحسينه ...

بعبارة أخرى إن القيم المجتمعية التي تحكم و توجه التفكير و السلوك ، تؤثر بشكل كبير على سيرورة و صيرورة الكتابة باللغة و لغة الكتابة ...

تحضر بنية التفكير و ثوابته الوجودية و الفلسفية كعامل موجه في لغة الكتابة و تصنيفاتها ... و تحضر فلسفة التدبير السياسي لشؤون المجتمع في توجيه العمل المؤسساتي و تأطيره لممارسة اللغة بكل تلوناتها و تشكلاتها .... قد تختفي اللعبة في قوانين تحكم زئبقية و شبحية ... قد تلبس لبوسا إيديولوجيا ... قد تتحكم عن بعد داخل عمليات استباق ممنهج ... و لا ننس أن البناء الإيديولوجي لكل خطاب ، ينبني على اللغة و استعمالها ... لا ننس كذلك أن كل بناء جديد قد يكسر آليات التحكم القديمة و القائمة ، بحيث يبقى سقف الخيال و التفكير و الإبداع مرسوما داخل قوالب جاهزة تضمن سلامة البقاء داخل المنظومة المرجوة و داخل الحزام الآمن لهذه السلامة الخاضعة لأجهزة مراقبة و المحافظة على مصلحة تاريخية معينة و مرجو بقاؤها ... و هي مصالح شتى طبعا ...

كل مدرسة قائمة تبني عملها المؤسساتي على قوالب مقررات و مناهج تطبيق و تعبير، جاهزة و مستقرة ثابتة ، تضمن تكوينا متوافقا و منسجما مع رسالتها نسبيا في مرحلة تاريخية إلى حين وقوع تغيير في البرامج و المناهج ... و هذه العملية تاريخيا تعني الخضوع إلى حالة ستاتيكية تشكل الأفراد و منتوجهم بما رسم من اهداف و مصالح ... و هنا يتدخل عالم الاجتماع و الاقتصاد و السياسة لكي يرى من تخدمه هذه المصالح في البرامج و المناهج ... كما تتم عملية تتويج النجاح بالإبداع في النمط المرسوم للإنتاج و التعبير و الاستعمال لأشكال اللغة و الفن عموما ... و خلالها تكون لجان و مؤسسات الحكم و التقويم  قائمة بمعاييرها كطبقة أرتودوكسية متحكمة في كل فعل و قول ... و سياسيا تكون مكرسة لبقاء نمط من الحياة و التعبير يخدم مراحل تاريخية معينة ، و ليس من الروري أن تكون مواكبة للتطور التاريخي الموضوعي ، كما ليس من الضروري أن تبقى صالحة في جماليات شرعيتها و شرعية جماليتها ... ذلك أن التطور تقتحمه جماليات جديدة موضوعية و ابتكارية و تفاعلية تواصلية ... تدخله آليات اشتغال و إبداع جديدة ، فتتغير بنيته و أدواته و تجلياته ...و أكبر مختبر للتحول الموضوعي هو الواقع الذي يعرف تجددا مستمرا ، خصوصا معا التطور المعاصر الذي نعيشه و مع درجات الذكاء الجديدة التي اصبح العقل البشري مركبا داخلها ، داخل عصر التكنولوجيا و الثورة المعلوماتية و الافتراضية التي سرَّعت بالعالم الإنساني للقفز إلى الأمام ، بحيث اخترقت الحداثة المادية و الثقافية ـ السلوكية جل العقليات و أشكال الحياة ، فأحدثت توافقا أو اصطداما ، كل ذلك تعبير عن تفاعل جدلي كبير و قوي ، يحدث الصدمة التي تسبق الولادة بمخاض عسير أو طلق يسير ، فتكون النتيجة حتما شيئا جديدا ...

   إن هذا التطور الحتمي المفروض اليوم بشكل سريع أكبر ، يحضر في حقل الكتابة اللغوية و لغة الكتابة ... يستحضر قيم التطور و التحول .. يغير معايير و مقاييس الحكم الجمالي و الفني على كل إبداع ... يخرج من البنية المغلقة التي تدعي الانفراد و التفرد في الحكم و التحكم على حقل من الحقول ...

                 هذه الزئبقية الجديدة و المنفلتة من قبضة التحكم ، تجعل ضرورة إعادة النظر نسبيا في مجموعة ثوابت ارادها اصحابها ستاتيتكية كما قلنا ... فداخل الكتابة الشعرية مثلا ، نجد ذلك التحول القائم عبر قرون و عقود من القصيدة العمودية ، إلى قصيدة التفعيلة ، إلى قصيدة النثر ، إلى الومضة ... كلها مراحل عرفت أخذا و ردا و معارك كبرى بين أجيال و بين عقليات وبين ثقافات ... داخل الكتابة القصصية كذلك ، وضعت المعايير و الشروط ، و لكن ما فتئت الكاتبات التجريبية عند الرواد الكبار قبل الصغار تكسر هذه القيود التي تريد التحكم في جماح الكتابة ، بينما الكتابة عاصفة تتقوى دائما بحركيتها كإعصار يريد الزحف على القائم لكي يؤسس لسماء و فضاء جديدين ، ليعيد تحويل التربة إلى حقول جديدة و نبات و منتوج جديد ... سيرى الحارس على القديم بأنها عمليات هدم تدميرية لمكتسبات و منتوجات لها جدواها و قيمتها و دورها في الصقل و التربية والتكوين و التعليم ( ابك المكتسبات طبعا )... سيرى المجرب بأنها عملية كسر لقيود لجمت و خنقت نَفَس الإبداع الذي صغر و ضاق على صدره سقف التنفس و التصور و الحياة المبدعة ... ستكون العملية جدلية تعطينا دائما صراع أجيال ليس عند المراهقين و الشباب فقط ، بل عند الراشدين المبدعين و المفكرين و الفلاسفة العقلاء ...

 

اللغة و الكتابة ، بين  سيرورة التاريخ  وقيم التطور  :