الصفحة البيضاء ، و إن كانت هذه شبه صفراء ، توحي لِخط الكتابة بالجسد العذري الذي يخترقه فعل العشق و اللمس و التفاعل المرتبط بحركة المشاعر و الرغبة و الآهات المختلجة للوجود كعواصف رياح و نسيم عليل ..
طبعا سيكون لهذا التشبيه إيحاء جنسي و تعبير شهواني يجعل الصفحة جسدا ، والقلم الحبري أداة تخترقه أو وشما يرسمه ... على العموم ، ما دام الكاتب ذكرا ، حضر هنا تصور الجسد الأنثوي ... ربما لو كانت الكاتبة أنثى لتحول التصور إلى الجسد الذكوري .. لو كانت الذات النرجسية لتحول إلى أناني ، ذاتي ، عاكس لمرآة تصوره لنسفه و تمجيده لها ...
كان الإهداء لهذه الأجندة أنثويا ... و كان الطلب و الطمع متعبا و مركبا ... و كان الانتظار صعبا في النتيجة ، و كان أخذ القلم المهدى معها محيرا ، إلى فحوى الطلب ، و نوع الكتابة المرغوبة ...
هذا الأزرق الماسي فاتني ، عمق عالمي السحري و الخيالي ...، ساعدني في رؤيته يتراقص بين اصابعي قلما ، على استحضار تصورات عدة ... هذا الفضول الأنثوي الذي يطرق كل الأبواب ، و يلامس كل الاشياء ، كل حين ... ما سره ؟ صار اللون الأزرق صوتا موجها خطابه إلى فؤادي : أكتُبْ ! أكتب عني ... ! تمجيدٌ للأنثى تتفرد به هي الأولى ... مثلما تدعو المرآة إلى تماوجها كما تشاء العاكسة لجسدها عليها ... مثلما تدعو الرسام بطرق باب لوحته ، بظفر سبابتها المصبوغ بالأحمر المناسب لماسة خاتمها ، الطويل في استدارته ، مَخْلباً تفترس به وحشتها ... مثلما تلامس أثواب الدكاكين المتعددة و الألبسة المتنوعة ... مثلما تعانق الواجهات الزجاجية لها ، أو للسيارات الواقفة كل حين . هو طيفها تريده متجدد الخلق ، مخترق التحليق في سماوات الوعي الذي لا ينصفها و لا يشبعها ... تريد الأنثى أن تكون هي الحياة . و تريد الحياة أن تأخذ حق الطلب في الخلود ، في الجمال ، في الصبا و الشباب الدائم ، في الازدهار الفائح و الفائز بالبسمات كل لحظة و كل انعكاس و كل تقابل و ارتسام ... كان طفلها صوتها الذي إذا ما غلبه الوجود استعمل أسلحة نرجسيته حتى لا يستسلم لفشل الامتلاك و التحقيق و الالتماس ...
و هذه الرغبة المتجددة كل حين في جديد ، من يفسرها ؟ لو ساعفتْها الثقافة لأَمَرَتْ كل الخياطين بتفصيل جلابة أو قفطان أو كسوة جديدة ، فريدة لها وحدها ... إذاً ، كلّ يوم سيكون عرض أزياء أمام أعينها ... ستتراقص الأثواب و تتناوب على جسدها ... ستكون الماسكة له رغبة و شوقا ، والخالعة له بعد تلبية ... و تلك أنانية أمواج البحر التي لا ترضى إلا بتجديد حركتها و ملامستها لشواطىء الرمال و صهر الصخور الجدارية العاتية .... أنانية النهر الذي لا يركد ماؤه حتى يسمى بِركة .. فالتجديد عطر و فيح و إعادة خلق صغير ، وتشبيب كل حين هو الآخر ...
و هذه الكتابة ، سحرها الذي سيصبح قربانا مقدما لها ، كما أرادته هي في رغبتها ، تُشبع به لذتها و ذوقها ، وتغوص به في بحار وجدانها و دواخلها ، وتعكس به أنوار و لمعان دُررها الراقدة المدفونة مع الزمن و الطبيعة و الثقافة ، في أعماق أعماق عوالمها ...
عطشٌ ، جعلتْه لعبة تسافر بها بين صحاري النسبي و الفراغ ، بحثا عن واحاتٍ و آبار ارتوائها ... و أي ارتواء ... من ضل الاهتداء للآخر : البئر أم الهائم الظمآن ؟؟؟؟ من ظل في الانتظار : هذا أم ذاك ؟؟؟ تلك لعبة داخلية ينفلت منطقها عن تحكمنا وقدرة تفسيرنا و إجابتنا حوله ...
و في لعبة الألوان ، لماذا اختارت هذا الأزرق الماسي ؟ هي تعلم و تحكم على الرجل بأنه عمق محيط كبير ، مليء بالأسرار و الحقائق ... لا ينطق إلا بما هبَّت به لحظة الوجود و حركة الطبيعة و قانون الكلام ... إنما رمت بهذا اللون بدل أن ترمي بجسدها سباحة للغوص في دواخل المحيط ... كأنها تفرش بحرها الأزرق عبرها ، لكي تجعل سباحته على امتداد تموجاته التي تمسكها بأناملها وتحركها برياحها وباتساماتها و صرخات لعبها الطفولي ... فضفاضة في كل فعلها ...و لو كان سلاح حواسها هو الذي سيساعدها على سبر أغوار و كشف اسرار .. ولكن ، هل غاصت ؟ هل خاضت مغامرات الملاحم الكبار؟
أتكون هذه الأجندة ، وهذا القلم ، وذاك الصوت، و ذاك التمنع و الغ ـ ن ـ جُ ... عناصر طاقمها ، وأسلحتها ، وجيشها ، وفريقها الذي تستعين به في مهمات استكشافها ...؟
أدرك أنها تبحث عن جذور القلب ، شجرة الخلد هاته التي تعانق بها الطبيعة و التملك ، وتعوضها عن فقدان الخلد المنشود ... سلاحها هو تلك المادة التي تعمل على تحلل كل شيء ليصير منصهرا منسابا مخترقا و ممتلكا بين أناملها كملامستها لثيابها و استنشاقها لعطره ، إنما داخل دولاب أو في جوف زجاجة أو قنينة ...
أدرك أنها ترتوي بطاقة التجربة والمغامرة ، وتسايرها حتى تستطيع التحكم فيها ، ويكون لها في نهاية المطاف قرارها هي ، لا قرار الآخر ... الامتلاك و التخلي ... وما التخلي إلا حنين و إعادة اللعبة في التشكيل ...
لحد هذه السطور ، حركات احتجاجية كبيرة و كثيرة ، تستشعرها بأنها في قفص أو أمام منبر مرافعة ، مجرد مدافعة ، مستفسرة ... و ما كان الاستفزاز إلا قولا : هل من مزيد ...؟ !!!!
à propos du blog
blog des essais poétiques, littéraires et culturels.يروم هذا المنبر الى تحفيز الارادة على الكتابة والابداع.الى جعل ثقافة الكتابة اختراقا للواقع وبحثا عن الحقيقة...نور العقل يسطع في سماء الكون وأعماق الوجدان...نور على نور