يحتار الواحد منا حينما يرى دراسات تقوم بعمليات توليف بين مواد مفاهيمية للفظ أو المصطلح الواحد . فتجدها تنهل من تعاريف متعددة لكي تنتج لنا تركيبا جديدا تعتبره مادة جاهزة للاستعمال ... في حين أن عمليا الاجتتاث التي قامت بها ، اقتلعت الأجزاء من حقلها فلمَّعت بها باقة إنتاجها دون أن تحافظ على روحها و وظيفتها و خصائصها ...
قد نتطلق تلك المواد المفاهيمية من دراسات فلسفية أو فكرية موجهة و منتقاة ، و أحيانا أخرى ، من استعمالات لغوية لثقافات وبيئات مجتمعية أخرى ... هكذا يطرح التساؤل حين عمليات النهل منها حول صحة الفعل و جدواه ...
تُطرح من هذه التساؤلات و االملاحظات ، حقيقة الانفتاح و التثاقف الجارية على أرض الواقع و داخل الحياة البشرية ... فالتاريخ لا يؤمن بالانغلاق أو التعصب للذات و الرفض للآخر و منتوج الآخر المادي و المعنوي .. ولكن ، حينما نجد عملية التثاقف تتم بمعادلة غير متوازنة ، غير مهيئة للتوافق داخل عملية التأثير و التأثر ، ماذا سننتظر من نتائج في حصيلة التثاقف و التكوين الجديد ـ المولود الجديد ؟
لقد امتلك الغرب مشروعا حضاريا و فلسفيا و سياسيا كبيرا ، ساعده على تبلوره م آلت إليه تفاعلات أحداث العالم البشري بحضاراته و ثقافاته خلال مرحلة الصور الوسطى ، والشروط الموضوعية التي تجاورت و تراكمت خلال عميات التحول التاريخي بين العهد القروسطي و مراحل النهضة الفكرية و التنوير و الثورة الصناعية ، كذا ذلك الاكتساح للاكتشافات و الابتكارات و التكسير للطابوهات المكبلة باسم المقدس للعقل البشري و خيالاته اللامحدودة التي هندست فيما بعد للتطور العلمي و الفلسفي و التقني والتنظيمي السلوكي و المبرمج مع الحياة و الطبيعة و المجتمع و النفسية الجديدة ...
امتدت مشاريع العالم الغربي لقرون عديدة الآن ، دخلنا في القرن الخامس منها اليوم . تتابعت المدارس و الاتجاهات و المشاريع الأكاديمية و الفلسفية التي أولجت كل شيء داخل مختبر العقل و التجريب ... و كان كل منتوج مرتبط بسياق مدرسة و فلسفة ووعي ومسلمات و فرضيات و انتقادات متجاوزة لما سبق ، دون أن يعني ذلك امتلاكها الشرعية الأحادية ، بل فعل الإضافة المتراكمة و المنيرة لزاوية من الزوايا المتشابكة في المنطلق و التأثير والتأثر ...
إلى جانب هذه الحقائق العالمية التي أقحمنا فيها التاريخ ، والتي أحدث لنا معها رجات و اهتزازات ذهنية وسلوكية و موقفية لا زالت لم تهدم بعد ، انفتح العالم بفعل التطور التكنولوجي الذي توج التطور في التواصل و الموصلات ، انفتح على عولمة جعلت العالم قرية صغيرة ، وجعلت الفرد ينتمي إلى الكون أكثر من انتمائه للمحيط الجغرافي الضيق و الصغير ...
أصبح العقل الممتلك للغة و التكنولوجيا متفاعلا مع ثقافات الشعوب و منتوجاتها المصدَّرة في عمليات التواصل ...
هذا التلاحم و التطور الجديدين جعلا المصطلح و المفهوم يتمددان لكي يحتويا و يستوعبا الدلالات الجديدة حتى يكون التوظيف مناسبا للجديد و مناسبا للتركيب ، ومناسبا للانتماء الجديد ...
فهل تناسب كل ذلك مع محاولات التبييء للمصطلح و المفهوم ؟
قد يكون الفعل الممارس حقا ثقافيا في التفكير و التعبير و التحميل و التطوير للقناعات و المواقف و أساليب العمل و السلوك ن ولكن هذا الحق المبرمج للفرد ، هل يتناسب مع المحيط و البيئة المصغرة التي يتفاعل معها الفرد ؟ هل يخلق بها عناصر التطور لها أم عوامل التوتر و الاصطدام و التعثر ؟
طبعا الوعي الجدلي و النسبي يعطي الشرعية التاريخية والموضوعية لكل تجربة و كل فعل تاريخي فردي ـو جماعي ، إنما التساؤل هنا حول التفاعل الجدلي التقدي الذي يحقق فعلا شروط التطور إلى الأمام ، وليس شرط الانكماش أو التعصب أو التراجع إلى الوراء بعمى بصيرة ترفض كل افق مستقبلي ، حنينا مشيميا إلى بدايات غابرة خالية ...
تنتظر منا اللغة داخل هذا المقال تناول شخصيتها و سياستها ، ودور المفهوم في خدمتها و تطويرها ...
كما تنتظر تحقيق استقلاليتها بمشروع مندمج في المشروع العولمي ، غير فاقدٍ لخصوصيته و شخصيته ...
فهل ستكون سياستها هي تدبير هذا المشروع ؟ في جزء من الجواب سنقول نعم . ما دام تدبير مشاريع ٍ عبارة عن سياسات متبعة و مختارة ... إنما كيف يتم ذلك داخل حقل اللغة ؟ و ما دور الحقل المفاهيمي في خدمته و تدبيره و تحقيقه ؟
à propos du blog
blog des essais poétiques, littéraires et culturels.يروم هذا المنبر الى تحفيز الارادة على الكتابة والابداع.الى جعل ثقافة الكتابة اختراقا للواقع وبحثا عن الحقيقة...نور العقل يسطع في سماء الكون وأعماق الوجدان...نور على نور