Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Menu
رحلة عزاء (إسلام مارسيل)

رحلة عزاء (إسلام مارسيل)





كادت بسمته أن تقبض بخيوط القدر.قدر جديد. لولا أن مدبر اقدار أخرى تحكم في هذا الجديد.شعور بالضعف،شعور بالعجز.لكن قبول هادىء لما وقع،وما أخبره به، وما سمعه.... بسمة عميقة تضغط على شفتيه بهدوء،تسري مع أنفاسه،تعانق حركة نبضات قلبه،تعاود الصعود مع عمليات التنفس في كل استنشاق واستنثار هواء... عظيم هذا القدر.في اللحظة التي اكتشفتُ فيها عالمي الجديد،في اللحظة التي التفت فيها لما تبقى لي من فرنسا، لما تبقى من وعد خالص،وعملة عاطفية صالحة في فرنسا،شاء القدر،هذا القدر أن يأخذ مني الجوهرة التي كانت ساكنة في أعماق مزهريتي القلبية. لما أردت استرجاعها من الاعماق،انفلتت،لم يعد لها وجود.لم يعد لها أثر.تحولت المزهرية إلى أعماق المحيطات،غارت الجوهرة ذاهبة إلى الابد،إلا من ذكرى وقلب شغوف بحبها وبشوق صفائها ولمعانها... لا اعتراض على القدر، هو الحب الجديد،ينصهر فيه الكل الحاضر والغائب. ما دام القدر أخذ فهو يحب ما أخذ،سعيد بحصيلته...
ـ نامي بسلام هيلين. هكذا علق على الفاكس الذي وصله بعد ثلاثة ايام من انتظاره رد هيلين.باعثة الفاكس كانت ماري أخت هيلين.
ـ بكامل الأسى،أخبرك بنبأ وفاة هيلين.شاكرةً لك دعوتَكَ قبل رحيلها.مذكرة بحبها لك.تاركة لك وصية محفوظة في انتظار تسلمك لها. مراسيم الجنازة بعد يومين من تاريخ هذا الفاكس. عزاؤنا واحد.
تغيرت مجريات ما يجري. العطلة الممدة عند مارسيل،كأنها كانت تهييئا لحضور مراسيم جنازة هيلين.العالم الروحي الجديد،كأنه تهييئ لتقبل الموت كواقعة جديدة صادمة لكنها واقعية.جزء منه انتزع بعد خبر الوفاة.نصف تفكير،نصف كلام،نصف حركة،هدوء يمتلك كل الخلايا والاعضاء والحركات...
مع سلسلة ذهبية بماسة زرقاء صغيرة،وجد رسالة مقتضبة: عزيزي مارسيل،أيا ما العالم الجديد الذي تدعوني إليه،أكيد أنه جميل.مادام فيه حبنا الذي حافظت عليه.انعم به وابعث لي برسالة تصفه لي ،ربما وأنا في العالم الآخر،عالم ما بعد الموت.ربما لم أكن انتظر سوى هذه الالتفاتة حتى أشعر بقيمة ما مضى،وأشكرك عليه،واستسمحك فيه. قبلاتي .وداعا.
كم جميلا هذا الاستعداد للرحيل،للموت.كتبت الرسالة،كما تحكي أختها ماري،ادرفت دمعتين على الطاولة،طوتها.تناولت نصف كوب من الحليب لأجل دوائها،امتدت على الفراش طالبة مني ان أجعل الرسالة مع سلسلتها في صندوق خشبي صغير وعتيق.طلبت حجب ضوء النوافذ واشعة الشمس بالستائر،والغربة في الاسترخاء والنوم...هكذا تحكي ماري ما قبل موت هيلين.. أكبر هبة تجعلها لنا الحياة هي هذا الاستعداد والقَبول الهادىء للرحيل،للموت،للعزاء الداخلي قبل عزاء الأحياء فينا...
قبل عودته إلى سويسرا،التقى يوسف جاره مارسيل بليون،مواسيا له من جديد.علق مارسيل معبرا عن شعوره بقسوة ما:
ـ لما أحببتُ هذا القدر،فاجأني بالموت...
أجابه يوسف ،بعد روية في الأمر:
ـ تعلم مارسيل،إذا أحببت القدر فأنت مومن إذا.والمومن مصاب...
ـ كيف،يوسف؟أهدا جزاء أم انتقام أم ماذا؟؟
ـ لا بالعكس، نحن نتوهم المطلق ،الحقيقة المطلقة،الصحة المطلقة،القوة المطلقة،الحياة الخالدة... يعيش الواحد منا في غرور ،وهذا هو السبب في مشاكلنا:الغرور. ينسى الواحد منا أن الحياة نسبية،ذاهبة.القدر يذكرنا كل مرة أننا أمام نسبية تامة. كيف نتبناها كحقيقة فيزيائية وعلمية ونرفضها كواقع حياتي ونفسي؟؟؟ أين سنكون انت وانا بعدمائة وخمسين سنة،، في التراب طبعا.هل تقبل أن نختصر المسافة لهذا التراب،مادام لا محالة آت؟ اختبر نفسيتك وغرورها بالحياة... لا نحب الصدمات طبعا... هذا هو القدر يهيئنا لما كتب لنا في الحياة والموت.. أتمنى أن يكون كلامي واضحا ،مارسيل...
ـ طبعا واضح.أدرك ما تقول.لقد تغيرت نظرتي للعالم والاشياء يوسف.أشعر بوجود القدر وحكمه في خفايا أمورنا.قد نسميه غلها،أو ربا،أو أي تسمية أخرى،فهو المتحكم في هذه الخفايا. موجود دون أن نراه فعلا..
الأستاذ الجامعي يبلغك عزاءه وأسفه على المصاب الجلل...
ـ شكرا له.لا زلت أمتن له بذلك الحوار وتلك الكتب.هي رفيقي الجديد الآن.تصور في رحلة الطائرة،كانت قراءتها في بعض صفحاتها مختصرة الساعات على ثوان بين المغرب وفرنسا.لما وصلت الى مطار اورلي،نظرت الى باب الخروج من المطار،مرددا عبث الامور كيف تقع: كنت أنا من سينتظر الآتي من هذه الباب،والآن أصبحت أنا الآتي غليها.. كل شيء نسبي كما قلت يوسف...
هل نرفض الحياة لان فيها المرض؟هل نرفض المرض لان فيه الالم؟هل نرفض الالم لان فيه الموت؟هل نرفض الموت لانه ياخذ منا هذه الحياة؟ هل يمكن أخذ ما محب وترك ما لا نحب؟لا.الحياة أخذ وعطاء.لا عصيان مع القدر.قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا. وما تشاؤون الا ان يشاء الله... عبارات جديدة أصبح مارسيل يتعود عليها وعلى سماعها في ناديه الجديد،زاويته الصوفية الجديدة التي أصبح يرتادها كل جمعة،مساءً،بين الثامنة والعاشرة ليلا.جلسات للذكر والحوار،بدأها كمستمع ومقتنن لقراءات ترافقه طيلة الاسبوع،ثم تحول إلى مشارك فيها... تقتضي الجلسات الروحية الصوفية السماع ثم السماع ثم القَبول وإرجاء الغير المقبول الى حين،ثم المشاركة في الحوار في المقبول،وتزكية هذا المقبول،لتساهم بقدراتك في تأكيده والتعبير عنه،ولا تنسَ أن ما لم يتم قَبوله،مرجأٌ إلى حين... فكم من غير مقبول،ولا نقل مرفوض،هو غير مقبول الى حين... كم من غير مقبول يعالج داخل المقبول فيصبح مقبولا.. هكذا طرق العلاج الصوفية والرياضة الروحية والعلاج لما هو نفسي،لما هو عقلي،لما هو سلوكي،لما هو وجداني وروحي...
بعد أشهر اصبح بإمكان مارسيل أن يمارس نفس القاعدة مع جاره علي.أصبح علي يتزود بجديد مارسيل الروحاني عن طريق جلساتهما المتكررة في كل مناسبة... أصبح علي هو السائل،ومارسيل هو المجيب.تحول مارسيل إلى معلم في الروحانيات وأمور الإيمان بالمحبوب،الخالق،الله.أحبه كحبه لهيلين،وللحياة،ولكل ما هو جميل في هذه الحياة،كما أحبه لأنه صاحب القدر والمتحكم فيه،والمخبئ للأسرار داخله...
أصبح علي بالمقابل معلم مارسيل لبعض الألفاظ العربية ،المفاتيح في رحلته الروحانية.. تجاوبٌ كبير بين الجارين،بدأ ببساطة،بحسن جوار،بطيب معاملة،بتواضع أحد الطريفين.. تطور إلى أخوة أخلاقية وليس دينية بعد... أصبح علي يؤدي بعض الصلوات أمام جاره مارسيل،مرتاحا لقلبه الجديد في الإيمان .بل إن رمضان كان مناسبة لتناول فطور الصائمين،علي وفاطمة.جرب فيه مارسيل ،كطفل صغير،الصوم ليومين متفرقين.مع الجهد في إنجاح تجربة الصوم .كان ضيف شرف على مائدة إفطار علي وفاطمة....
قبل النوم،فتحت فاطمة حوارا أصاب عليا بارق شديد، ليس لهَم أو مرض،بل لزيادة تفكير في الإشكال المطروح:
ـ تعلم، لو أن مارسيل تزوج هذا الصيف من مغربية،ما كان ليصبح قلبه مليئا بالايمان هكذا.
ـ من أين تأتين بهذه الافكار؟ كيف ذلك؟؟
ـ جل المغربيات ماديات. ما سيزيده حرصا على حياته المادية ومقاسمتها مع الزوجة الجديدة... ألا تتذكر تلك الفتاة من مدينة الدار البيضاء؟التي التقيناها في ميناء الخزيرات؟رفقة ذلك الاسباني.. عالم جنس وخمر وليس زواجا نزيها...
تفكير علي في جاره مارسيل،صديقه وأخيه الجديد... هو تفكير في مصلحته وحمايته.. أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك.. هكذا تعلم من الحديث النبوي الشريف. طوال الليل يفكر في وضع جاره،وما الذي يمكن أن يسعده به ويفرحه؟طبعا،لا يمتلك الحلول الفلسفية ولا الثقافية.ولكنها الحلول المعاملاتية والتواصلية والاجتماعية الانسانية...
ـ ما أعلم، أن رحاب الفضيلة هي سبيل النجاة في الدنيا والآخرة. هكذا تكلم مع نفسه،رغم أنه قليى ما يقع في مثل هذا الشرود عن الصمت الرزين. فالصمت حكمة. هكذا تعلم علي.
ـ مارسيل، حبي لك هو حب في الله. وتعلم هذا. أريد لك الخير كما أريده لنفسي في الدنيا والآخرة.أدعوك للدخول في الاسلام،وأن تشهد أن لآ إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله. أتركك في رعاية الله.أتمنى غدا خبرا مهما وجديدا.. هكذا كلمه في الليلة الموالية،كأنه لم يرد النوم حتى يقوم بواجبه تجاه جاره و تجاه من يحب ويرجو ايمانه،لما راى فيه من ميول للاسلام
رحلة عزاء:.