Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Menu
سم بن ق 9

سم بن ق 9

بائع الإسفنج ، رمز ثقافي و اجتماعي كبير في المدينة ... قد لا يولي الناس الاهتمام لشخص البائع خارج أوقات بيعه و شرائه ... يصبح من عامة الناس ، له علاقاته ، كما له حياته الخاصة ... لكن اشتهاء الاسفنج للأكل أو انتظار نوبة الحصول على الكمية المرادة ، و طقوس تحضيره  و وضعه في سطل معدني خاص أو طست مناسب ، كعجين ..، ثم بعد ذلك ، لمسة المعلّْم البائع ..، و حيث إن كل متقن لحرفته و تجارته يسمى بالمعلْم ، دلالة على الإتقان و النجاح فيها و حسن تصريفه لها تجاريا و اجتماعيا و علاقاتيا ، و كذا اكتساب شخصية ماهرة بفضلها ، و تميُّز بأخلاق فردية و خطاب شخصي و عادات مرتبطة بها ، كل هذه الخلفيات الذهنية تكون حاضرة عند الوقوف أمام الدكان ، و النظر إلى المعلْم و هو يقتطع جزءا من العجين باستدارة سبابته و إبهامه ، و تحويله بإبهام اليد الأخرى إلى مادة مستديرة ستخضع إلى وضعها فوق زيت ساخن تُقلى عليه ، فتبدأ بالوضع على جانب المقلة التي عَمّْرت لسنوات و عقود ، و اتخذت من أشكال جانبية لا تجعل البياض إلا داخل مجال القلي بالزيت بداخلها ... ثم بعد ذلك يستعمل المُخطَف أو المخطاف ، الذي يكون برأس مسهم و معقوف ، يحرك به دوائر الاسفنج فوق المقلة ... كلها طقوس يستمتع بها المنتظر صباحا لشهوة فطوره التي أرادها بالاسفنج ... تكون الرائحة جاذبة له ، و يكون خيط الدوم الذي يستعمل لحمله فيه حُلَّة احتفالية ، تنتظرها كل عائلة فكرت و اختارت أكل الاسفنج ،محضِّرة صينية قهوة و حليب  أو براد  شاي ، في انتظار مجيء المكلف بشراء الاسفنج من عند المعلم الخياط ، و الذي ليس بخياط في حرفته ، فقط هو اسمه أو لقبه ...

في هذا الجو الصباحي الباكر ، خرج السي الكبير بفوقية خفيفة ، لبِسها ، و وقف منتظرا نوبته أو دوره في عملية الشراء التي يحضرها هذا الصباح ستة أشخاص هو سابعهم ... هي السابعة صباحا تقريبا ... و بداية بيع الاسفنج تكون بعد صلاة الفجر بحوالي الساعة إلا ربع ... فأول دكان يبدأ عمله بالبيع و الشراء هو دكان الاسفنجي ...و قد ندُرت الحرفة مع بداية تسعينيات القرن العشرين ، فلم يعُد موجودا سوى المعلم الخياط وحده بعد أن كانوا أربعة معلمين يبيعونه ..

  من صدف هذا الصباح ، مجيء الفقيه الملقب ب ( بودومة ) لشراء حصة اسفنجية ... بجلابته الزرقاء الشاحبة اللون ، و طاقيته الصفراء الباهتة ، و عينه اليسرى الشبه نائمة و التي لا تستطيع تمييز بؤبؤتها إلا نادرا حين طول حديث و حوار معه ، يكون الفقيه الطالب ، الحافظ للقرآن الكريم ، القليل الكلام ، و لكنه الكثير المشي و التجوال ، حاملا دائما لخيط دوم صغير أو عود يابس رقيق و اصفر ، غالبا من عيدان حصير ، قابضا له بين أنامله ، و واضعا له بين الحين و الآخر بين شفتيه ، في جانبهما الأيسر ، حيث يقبض على العود بيده اليمنى ، كأنه محفز انتباه و منذر من غفلة و منبه في الطريق ...قصة الفقيه بودومة فيها غرابة و جهل نسبي ... فهو لم ينشأ و يكبُر في طفولته و شبابه بالمدينة ... إنما كان مجيئه إليها و استقراره بالبلدة و هو مشرف على عقده الثالث ، متزوج من ارمأة من بلاد الغرب و سهوله الفسيحة ، و مخترق للنسيج الاجتماعي و المجتمعي من خلال حلقات قراءته للقرآن بالمسجد الكبير بعد صلاة المغرب و صلاة الفجر ... و من خلال قراءته لكلام الله كذلك في المقابر أيام الجمعة خصوصا أو حين ذهابه في جنازة ما ...

و تتكاثر الحكايات حول الغريب ، حيث يكون مادة دسمة للحوارات الفضولية اليومية ، و لمُحبي الاستكشاف لغرائب الحكايات ... أما أغربها و الذي شاع ، فهو نعته بحكمته في دومته ، و لذلك سموه بالفقيه بودومة ... فهو يستطيع محاورة الجن بها ، و يستطيع الاستدلال على طريق كنز و مكانه بفضلها ، ونشر بركة تلاوته للقرآن بفضلها كذلك ...

 هكذا أصبح الفقيه بودومة عند كافة الناس ، صارع جن و مخاورها ، تفيرا لسر سكوته و صمته الدائمين و عدم وجوده متكلما بين أفرادهم ... نادرا ما يتكلم ، نادرا ما يكون برفقة اجتماعية ... نادرا ما تجده واقفا بمكان لمدة زمنية طويلة ... لا تراه إلا و هو مار في طريق ... يمشي و يمشي ، حتى إن خطواته دائما تسمَع عنها أنه قام بها جولةً خارج دروب المدينة ، بين جنبات واديها و جبالها و مقابرها ... و التي كلها طرقت معبدة و صغيرة يستعملها الناس في حياتهم اليومية كما في نزهاتهم الطبيعية ارتماء في أحضان منحدرات جبال زرهون كأنها أحضان ارمأة و صدرها الحنون ، و دفئها الدائم الذي توفره الطبيعة بهدوئها و متعة اخضرارها و خرير مياهها ، هذه التي تنساب متسللة ، منحدرة بين صخور و منعرجات الوادي العميق الآخذ في الانحدار حتى يصل بعد كيلمترات إلى منبسط سهل خومان ، فيتحول من ضيق إلى توسع مسار و ضفاف و هدوء من كان مسرعا في مشيه حتى وجد بساطا ارتمى على صفحته ... ذلك وادي خومان ة نرُه الذي عزف على وتر و شريط بين جبال مسبح  الحامة و زرهون ...

كان سلام سي الكبير ، سلاحه اليدبلوماسي الذي يخترق به كل شخصية ، و يزيل به عقبات التواصل معها ... بين نحافة جسم الفقيه بودومة و ضخامة صدر السي الكبير ، كانت مبادرة السي الكبير بفتح ذراعيه و وضعهما على جنبات كتفي الفقيه بودومة ، و تقبيل رأسه و جبهته ، و تخليل كل ذلك بكلام توقير و تبجيل ...:

ـ تبارك الله على سي الفقيه ديالنا ... الله يخلّيك بركة لنا ،و ينفَّعنا ببركتكك و بكلام الله الذي تحمله في صدرك .. صباح مبارك و مسعود هذا الذي هلّ علينا بطلعتك ...

ـ الله يبارك فيك آ سي الكبير ... لهلا يخطيك علينا آ الشريف ...

يرفع المعلم الاسفنجي عينيه كما مخطافه ، متابعا لمشهد السلام ، مخفيا مع ابتسامته استنتاجاته الخاصة التي لن يكشفها إلا في إحدى جلساته خارج مجال العمل و التجارة ...

ـ سي الفقيه ، صباح الخير ... يبادر الملعم الخياط الاسفنجي هو الآخر للقيام بالسلام الواجب للوافد و الزبون الجديد ..

ـ واحد النصف كيلو اسفنج آ سي الخياط ...

ـ مرحباَ آ سي الفقيه .

في الانتظار و خلاله ، ينفرد سي الكبير بالسي الفقيه بودومة في مسافة عن باب الدكان ، بعيدا عن الحاضرين و الواقفين من المشترين المنتظرين ...

ـ سي الفقيه ... بغيت واحد العمل تقوم به .. و فيه الأجر في الدنيا و الآخرة ..

ـ مرحبا آ سي الكبير .. اُؤمر انعماس ( نعم يا سيدي )...

ـ بغيتك كل يوم تمشي لضريح سيدي محمد بن قاسم في الصباح .. بعد الفطور ... خذ وقتك ... و تقرأ بعض الشيء من كلام الله على قبره .. أنا سأعطيك شي بركة كل نهار ... حينما تنتهي ، مُرّ علي بضريح سيدي مولاي ادريس .. ساعطيك خمسة دراهم في اليوم ... ها أنت ... عندك الخيار ... يالله غير ثلاث مرات في الأسبوع حتى لا أتعبك بالذهاب إلى هناك ... الأفضل ، ايام الاثنين و الخميس و الجمعة ...

ـ ما كاين باس آ سي الكبير ؟

ـ لا ، فقط ، وقف عليّ سيدي محمد بن قاسم في المنام ، و طلب مني أن أتفكره بالقرآن و صدقة من الطعام على المساكين في مقامه ، و أهداني صندوقا لامعا بزخرفته ... لا أدري ما سره ...لا تنس ، راهْ لعيالات و النساء يذهبن له .. أكيد غادي يعطيوك شي بركة هناك ...

ـ إيوا آ سي الكبير ، تبارك الله عليك ... هذه هي النية الصافة و إلا فلا ...

ـ سيكون بيننا كلام طويل و طعام عزير في ذلك المقام إن شاء الله ... الله ينفَّعْنا ببركته و بركتك آ سي الفقيه ... راه الناس في البلاد كلهم يحترمونك و يرجون بركتك ... أنت من أولياء الله و الفقراء الصالحين ...

ـ الله يجعلنا من الذين آمنوا و اتقوا و حمدوا الله على نعمته و قسمته و حسناته ...

ـ آمين يا رب العالمين ... صباحك مبروك آ سي الفقيه .. الدور عليّ في شراء الاسفنج الآن ...

ـ صباحك مبروك آ سي الكبير ... الله يرحم لك الوالدين ... و زيزد في الخير على يديك .

سم بن ق 9
سم بن ق 9