Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Menu
بداية النهايات

بداية النهايات

4464665207_8612d0872f.jpg3486938100_8fa8c522f1.jpg3487376166_7925af1326.jpg

 

يجتر رجلا ، متكئا على عصا لا زالت أوراقها مشتكية من حرمانها من غصن شجرتها الكليبتوسية ... انتفخ القدم بصعقة الأخطبوط الضخم الذي بارزه بين أمواج بحر عاتية ... استطاع (هيم) أن يركز في الأخير رمحه الخشبي  في مقدمة رأس الكائن المائي الضخم ... ـ

هاهو الرمح قد تحول إلى عصا يستند عليها في خروجه من هذه المعركة البرمائية ... ينظر باسى المحروم إلى قمم التلال الشاطئية ... فهي التي تضمنت رحلته الطويلة ، والتي سلخت جسده كما رفقته من جماعته المؤنسة له ... امرأة ٌ نافستْه في الصيد و الجري و المشاكسة وحتى الولادة ... حيث تحولت إلى حيوان مفترس لا يسمح بأن يقترب منه في مرحلة مخاضها و طلقها وإنجابها ... صراخها الذي طورته من تفاعلات آهاتها و صفيرها ووضعيات تحاورها و تخويفها و ترغيبها ، سواء للرجل المعاشر لها ( هيم) ، أو للحيوانات التي استعانت بها لحظات الانجاب ... لا ينسى لحظةً غرستْ فيها نابها في كفه ، مدوية أرجاء الكهف الذي تطايرت منه البوم و الغربان ، وحتى  الحمام فلا حظَّ له في هذا المأوى الذي احتضن قوارض البر و الجو ...

كم من ليلٍ أُسدل على الحكاية ... و كم من مغامرة أتت معلنة النهاية ... فكانت النهايات متتالية ، إلا أنها كانت بداياته في رحلة الوحدة من جديد ... هذه المرة ، أقصى جنوبا من كوارث الجليد الذائب و الجارف و الحاصد لرفقته من الولد والرفيقة ، والشاهد على نهايات العالم بشجره ونباته وحيوانه ...

يقف على إحدى القمم ، فيصرخ في الآفاق (هيييييييم) ... يحول معه الضعف و الموت إلى ألوهية وخلود ... يدق معه اسفل رمحه سطحَ الأرض منذرا بالاستعداد للتحدي للمجهول ... بحاجبين كثيفين يغطيان الجفنين الأعليين ، تتطاير شرارةٌ ، كلما قطّب ، من بؤبؤتي عينيه ، تصل إلى حد الاحمرار لتشعل نارا لا يُهدئها صوت ، بقدر ما هي محدثة الرعب في الأرجاء و الأحياء ...

.يرفع راسه المكتظ الشعر ، الأشعث الضفائر ، المبلل بعراك الملح والماء ، يُسقِط من يده ذيول الأخطبوط التي يمسكها باصابعه و مخالبه الظفرية ... بدهشة المتيم الوحيد ، يصرخ : ـ ميييييييييييييييييييم ! ميييييييييييييم!

Foto0421---Copie.jpg

تُراها ، أُنذرت بخطر محذق من أعلى شرفة كهفها الذي ترتطم سفوحه بأمواج هائجة ... والذي يشكل ساحلا حدوديا  وحاجزا طبيعيا لا تصله حيوانات و لا بشر هائمين و لا حيتان عابرة ... أخذت بين ذراعيها طفلها ، حاضنة له ، هاربة به إلى داخل الكهف ، مستعينة باسلحتها ، استعدادا لإنذار هذه الصرخة الأجنبية الغريبة : مييييييم ! لاهثة و مرددة لنفس الصوت ، متسلقة صخرة مؤدية إلى جوف حجري ضيق ابتعادا واختباء من احتمال الهجوم المفاجىء ... مهدئة ، مطبطبة : دينْ ، دين ْ ، دينْ .... ـ حيث لا بكاء، ساد صمتٌ رهيب ، احتاج فيها المجهول بطلُ (ميم) مدة من الزمن لكي يستطيع تسلق مسالك الكهف والوقوف بمدخله شبحاً متعباً ، متسارعَ الأنفاس ، مشكلا لوحة لجسد سامق على خلفية زرقة بحر ، وآفاق  سماء موزعة الغيوم بين بياض وشعاع شمس مزيح للزرقة السماوية للفضاء العلوي للوحة .. . هذه التي اتخذت من العبور المحلق لبعض طيور دليل حركة حياة مستمرة...ـ

ـ ميييييييييييم!ـ

. بزئير ينفلت من زأرة المخبأ ، وتكشيرة انياب ، دوّى صوتها أكثر منه : ـ دووون ! دوووووون !  ـ

ـ مييييييييييييييم !  ها !  هييييييييييييم !

 انطلقت حجرة صماء بملء اليد ، متضاربة بين الزوايا ، مفلتة الهدف الواقف كالشجرة المجتثة قبل السقوط ، متساقطة عبر الحافة ، آخذة معها صوتها المتباعد الصدى ، المعلن على عدم النجاح في بداية المعركة ... ـ

ـ دووووووون   !  ديييييييييييييينْ ..................... دووووووووووووووونْ !ـ

رمى بصيده قربانا ، هدية ، عربون سلام ، أمام باحة الكهف . سقط متكئا على عصاه ، مخلصا قدمه المنتفخة من ثقل جسده و فوران دمه ، مستديرا براسه دون كتفيه صوب البحر ، مكتشفا لوحة الأفق الحاضن ليابسة بعيدة تفصلها الأمواج واسرارها عن هذا الكهف الجديد ... بصوت أنين ، وحنين ، وألم ، واستسلام ، خافتٍ : مييييييييييمْ

افلت الطفل من قبضة الرعب و الجزع الذي أنذرت به الأم ... بحدسه عبَّر عن مشهدٍ لا يحمل معركة ، مريدا النزول إلى الأخطبوط البديع التشكيل ... باستنفار الحارس الأمين ، نهرتْ ، و شدّتْ الحضن بقوة من جديد ، في صراخ خافت : ـ دينْ ! بَ دونْ ! دا هيمْ ، هيمْ .

في الانتظار ، تحولت أشعة الشمس من  قرص لاهب ببياض محترق إلى استدارة آفلة بلون ارجواني ، صبغَ فوهة الكهف و حيطانه المستديرة و المقابلة للغروب ، بحمرة خفيفة في انتظار الانتقال إلى دكن مغيب بالدهمة ، ومُحل لعتمة سوداء ، إعلانا للسكون ... فكان  الصمت ، واستمر الأنين ....!ـ

 يومها كان ( دون) قد اخترق البحر ، ووطأت قدماه كهف طنجيس ، وحمل بعدها لقبا جديدا( هرقل) ـ

يومها ، كان اللباس شرارة الاختلاف بين (هيم) و (دان) ... هيم ، مكسوٌّ بجلد دببة ابيض مائل إلى صفرة ... و دان ، مسدلِة على صدرها جلد نعامٍ مزركش الألوان ، نازل إلى نصف ركبتيها ، مقبوض بضفيرة من امعاء متيبسة لا تُلاك بلسان . أما (دين) ، فبقي في عريه التام . ـ ،