باب المحال

باب المحال

لم يكن ممكنا صد باب المحال. هو الذي أتى وشرع أبوابي ودعاني لعوالمه. تجاذبٌ بين أبواب، كل منها تريد ابتلاع الأخرى وأصحابها. لم أكن ذاك الذي كان مستعدا لمثل هذا المحال. رفعُ ستار ونزع آخر. تشبثت ما أمكن بأخرى، تعوّذت ولذت وتهيأت. أحسست أن لا محالة من هذا المحال. تذكّرت يوم خروجي إلى الحياة الدنيا، وقد كنت في عالم مشيمي وكمال.

أصبح عندي هذا المحال ضيفا، بابا أعرُج به ومنه إلى السماء، ومعبرا أخطو به فوق الماء، وحلما أغوص به في أعماق الأسماء والأشياء. ذكّرني، وهنا كانت شقاوتي، بأنني غير قادر على ما هو غير محال. ما سيأتي من سيرة وحكي ستعشقه الآذان وتنتفض ضده أوتاد الخيام.

أن تطرق باب المحال فإنك تريد كسر الحواجز واختراق قوانين الحلال والحرام، والأنام، بالكاد استطاعوا قود الجموع حشرا، والركوع فجرا، والصمت كدرا.

باب المحال تحليق في العوالم الممنوعة إلا على الحمقى وأنت بهوية العقلاء وتعلُّم الحكماء وتصنيف الشهداء. باب المحال قوس خارج حراسة المكان وقيده الوجودي. خارج سياج الزمن وقوسه الحاجب لشموس أخرى بعيدة عن الرؤية والرؤيا.

المستحيل هنا ممكن هناك.

أجرب بين الثقافات هذه المعادلة فأجد الأغلال في نفسي ومحيطي. لا محال إلا ما كبّلت به ذاتي.

ما الذي سيجعل العبارة تحترق، والحروف تبتلعها النيران؟ كيف أخطو داخل اللغة في أمان وحراس المعنى سيّجوا المبنى وقيدوا أجنحتي داخل دروبه؟

المحال بوابتي إلى سماء الروح وكون الوجدان. أحارب خوفي الذي حقنتني به حكايات الأزمان.

المحال هنا، ممكن هناك.

والمستحيل سياسة تُرسم بها النهايات. تُرسمُ بها حدود العيش وحركته وتفكيره وتجمّعه وسلوكه. وحينما تطّلّع على الجنات الممكنة، تستغرب لإمكانية السعادة المتاحة، والرفاه الممكن، والكرامة السهلة التي ما انفكّوا يدثّرنها من أشعة شموس لحقائق الوجود المطلقة.

ما عادت شمسٌ واحدة تكفي. وما كان كفرا أن أطلب تنوّعَها أجناسها في كوني ووجداني وشعوري وتفكيري. القبيلةُ قبوٌ وغلقٌ، يسلُبك اسمك الشخصي الممكن هناك وهنا. الأرضُ، ما كانت سالبة لحقي في التحليق، ما كانت محققة سوى لتوازن في العيش فوقها. والسماء، ما ما كانت سقفا نهائيا. كل الحكايات اخترقت، وكلها استعانت بالخيال والعدد، وجعلت الممكنات غير المرئية ممكنة. ما يتسحيل على الحواس يمكن له أن يكون بها.

وكان العقل بوابتي. وكان الخيال سفينتي. وكان الحلم سائقي لآفاق وآفاق. سأسافر فيّ وبيّ ولي. سأكون الممكن المستحيل. سأتجاوز تقسيم المناطقة للممكن والواجب والمستحيل. كلها عناصر تخييل ممكن، وعيش ممكن. وكل ممكنٍ ممكنُ الوجود بقوة الفعل أو بالتفكير.

وكان اجتماعي اختبار التمكين لهذا الإنسان في النجاح في التفعيل والتدرج في التنزيل. والحلم أغنية رمال تداعب أصابع الأطفال في بناء القصور والعوالم والجسور. يصفقون لكل موجة تبتلع صنعتهم، ويعيدون لعبتهم ضحكة وحكاية.