Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Menu
الشارة الحمراء ( قبل أن تجف الذاكرة و تتيبّب الضمائر )ـ

الشارة الحمراء ( قبل أن تجف الذاكرة و تتيبّب الضمائر )ـ

الشارة الحمراء ( قبل أن تجف الذاكرة و تتيبّب الضمائر )ـالشارة الحمراء ( قبل أن تجف الذاكرة و تتيبّب الضمائر )ـالشارة الحمراء ( قبل أن تجف الذاكرة و تتيبّب الضمائر )ـ

الشارة الحمراء : ـ

اتخذ عزمه و قرر جعل شارة حول ذراعه الأيسر. تجنب اليمين لأنه يرمز تاريخيا للطاعة و الاستكانة و الخضوع. و لأنه استُغل برمزية قداسة تجعل التهييء القيمي و المبدئي حبلا يعلق صاحبه فوق مشنقة الالتزام و لو بإكراه.ـ 

خرج في صباحه الباكر، و اتخذ طريقه للعمل. و قد ألِفه الناس في الذهاب و الإياب، كما ألِفهم هو في اليومي المعتاد، كان الاستغراب باديا على ارتسامات حواس الأنام. مثلما كان الحرج  الخجلي حاضرا في السلوك المبتدع الجديد الذي صدر عنه. و كل بدعة هي في قفص الاتهام. و كل بدعة هي إنذار تشمئز منه الجماعة التي تعوّدت على قوانين مشتركة يستأمنها الكل و البعض. و أكثر، يستأمنها الساهرون على الأخلاق و القوانين و الأمن العام.ـ

مرّ عابرا فوق القنطرة الجديدة التي توصل إلى الطريق المزدوجة  المؤدية إلى المدينة الجديدة و مركزها الحيوي، كما تؤدي إلى مخارج المدينة باتجاه مدن الشرق و الشمال الشرقي و الشمال.ـ

الأعين ارتسمت متعجبة لتلك الدارة الحمراء، و الاستفهامات البعيدة تكاثرت حولها. هل هي ضمادة جرح، أم شارة عمل، أم ماذا؟ فئات مجتمعية كثيرة ألفها في الذهاب للعمل و الرجوع منه. و هو المشّاء، الراجل الذي لم يقتن سيارة، و الذي ازداد قناعة بنسيانها، إما لكونه عاجزعن توفير ثمنها، و إما لكونه متشبت بالقناعة الجديدة التي شكّلها: التلوث، و الضجيج، و بهرجة التملك التي انتشرت كالنار على الهشيم، ملتهبة و حارقة لكل ما تبقى  من روية في الحياة.ـ

و إما لكونه قد استعان بمبادئه الاشتراكية التي أقنعته، و التي تقاطعت مع مبادىء إيمانه المتضمنة لفلسفة زهد و تصوف و عزوف عن الماديات، أو تحكم في غرائز تميل إلى تعسف على الروح و تضخيم للذات و صراع الأنانيات.ـ

لو كان ممتطيا حافلة أو سيارة أجرة لكان عدد الملتفتين لتلك الشارة قليلا. لكنه اختار المشي و الترجل، فازدادت إثارته لمجتمع هذا الصباح. كان شعوره بأن ضجيج الكلاكسونات موجه إليه احتجاجا على غرابة شارته. و هو عابر فوق الأرض، في مزيد تحليل و إقناع لحركته و فعله.ـ

و توقفت سيارة بجانب الرصيف. موظف في نفس القطاع : ـ

ـ صباح الخير ياأستاذ.ـ

ـ صباح النور.ـ

ـ هل هناك إضراب قطاعي اليوم؟

ـ لا. ـ

ـ و الشارة الحمراء؟

ـ آه.في أقصى الجنوب، احترقت حافلة بركابها. و زهقت أرواح ملائكة اهتز لها عرش الرحمن و أذرفت السماء دموعا أسية حزنا عليها.ـ

ـ و الشارة. ما علاقتها بالحدث؟

ـ لست أنا من اختارها. اختارتها روحي التي حزنت و غضبت، و التي احتجت على عجزي عن تغيير وضع أو الصراخ ضده.ـ

انطلقت السيارة بسرعة جنونية منزعجة من تعليق الأستاذ. كان صاحبها يود سماع الإعلان عن يوم إضراب. فرصة للاستراحة من العمل. لكن صاحب الشارة، يبدو على أنه أصبح أو هو  غريب الأطوار. و قد سمع بحدسه الذي لا تخونه بديهته ترديد سائق السيارة التي تسوقه : أحمق. مجنون.ـ

كان مهيأ لمثل هذه الردود و أكثر منها. وصل إلى مؤسسته التعليمية. ولجها. قضى صباحه في حيوية عمل و اندماج مع أنشطة التلامذة. و بحدسه كذلك، رأى طيف خيال يتلصص و يتردد وراء نافذة القاعة. استعدّ لاستقبال طرق على بابها و ربط الزيارة بشارته الحمراء.ـ

في مكتب السيد المدير، كان هناك شخصان ينتظران قدومه. الأول، تذكّره كأحد موظفي نيابة التعليم. أما الثاني، فبدا وسيما و شابا و أنيقا. بعد السلام، تم تناول موضوع الشارة :ـ

ـ إنني حزين على أرواح الأطفال الذين قضوا نحبهم احتراقا.ـ

ـ هل من الممكن يا أستاذ أن تنزعها و تخلّصنا هذا الصباح من إشكال موضوعها؟

لم يبالِ بالمتسائل من كان. هل هو السيد المدير، أو موظف النيابة، أو عامل الاستخبارات؟

نزع شارته الحمراء و الابتسامة بادية على محيّاه. اشرأبت رؤوس و أطلت أعناق.

ـ ما المشكل آ أستاذ؟

ـ لاشيء. هذه الشارة ـ و قد لفّها حول معصمه ـ أدّت مهمتها في لفت الانتباه و إثارة الرأي العام و الخاص. و هذا أضعف الإيمان.ـ

ـ أية مهمة يا أستاذ؟

ـ  أزيد من ثلاثين شخصا احترقوا في حافلة، في حادثة سير.ـ

ـ الأعمار بيد الله يا أستاذ.ـ

ـ و الفساد بيد البشر : التهريب. الرشوة. الخرق للقانون. التستر على المجرمين و الناهبين... عد إلى عملك بصدق ضميرك. يكفيك رسالة، و اتركْ أمر الشارة لي. غدا سأحوّلها إلى مقال. و يسافر ثوبها حبرا في عروقي، و لونها دما يصبغ سمائي.ـ

ا