Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Menu
فيروز و عبدالحليم

فيروز و عبدالحليم

صرير الباب الحديدي اخترق هدوء الممر الضيق للزقاق ... الخطوةُ الأولى لولوج هذا العالم الخارجي ، في هذا الصباح ... تحتاج معها فيروز لقفز بضعف الخطو فوق مجرى المياه العادمة الذي يدب خيطا حلزونيا منعرجا ... قاومت بملء كفها الذي خللته بعطر القارورة داخل المنزل ... استطاعت أن تعيد التنفس الطبيعي لهواءٍ سليمٍ بعيدٍ ...ـ

في الزنقة المؤدية إلى الشارع الرئيسي للحي ، اخترقت خطواتها الحاجز الثاني كامتحان وجود و تحدي حياة ... جسد أم جثة ، أم هما معا ؟ ازداد خفقان نبضها ... الممرات فارغة من الساكنة ... و هي المبكرة دائما ... تحتاج لنصف ساعة مشيا حتى تصل إلى مؤسستها التعليمية ... تعرقت مسامها و تنملت بعد ذلك في قشعريرة جسدها الغض ، و جلدها الناعم الذي يقاوم بربيعه خريفَ هذا الزمن المعيشي ، و تجاعيد الصدور المتصاعدة حنقا و اشتهاءً داخل هذا الركام الصفيحي الممتد زركشةَ ألوان و تشكيل أحجام ...ـ

على مرمى البصر ، من زاوية الشارع الذي يعلو على الأنام و يجعل من جدارسميكٍ حاجبا له يقيه من جوارٍ و من رائحة تزكم الأنفاس ... ذهب دفء الفراش الذي شحنته بغطاء الأحلام ... تحولت بشرتها من صهبة موردة إلى زرقة جليدية كملمس الصقيع ... و بعد أن اختبرت وقف التنفس في عبور باب المنزل ، احتاجت الآن إلى وقف نبضات القلب التي ازدادت في فضحها تطبيلا و هي تضع خطوها عابرةً فوق الساقين الممتدين للجسد ـ الجثة ...ـ

غالبا ما تخونها تلك الخطوات في أحلام منامها التي تختلط مع زوبعات الليل داخل هذا الحي الشعبي الصفيحي ...ما تذكرته من مسامع الليلة الماضية بمشاهدها المتخيّلة لدراما هذا الحي المتسلسلة الوقع في حلقات كل يوم ، لم تُسعفها في موضعة دور هذا الجسد ـ الجثة الممدود على الطريق ... جريٌ سريعٌ ، متقطعٌ بين مرحلتين في غياهب منتصف الليل و يمّه ... صوتٌ هاربٌ من مطاردة الشرطة لتاجري المخدرات ... و سمفونية الجارة بصوتها الناعم ، السكران و المتثاقل ، حين دخولها لمنزلها على مشارف الفجر  بالمطارق ، المتفتق خارج حياتها الليلية ...ـ

هذا كل ما تذكرته فيروز و هي تعبر فوق الجسد ـ الجثة ... مرت بسلام ... لازمة استعانت بها من ماضي التجارب البشرية و الاستعمالات اللغوية المتعددة لها ... أسرعت الخطو حتى اختراقها للشارع المضيء بأشعة الشمس الصباحية المتثاقلة في الشروق و الإطلالة على هذا الجزء من العالم الذي يحتضن نموها و توقها للحياة ...

كانت الأم قد خرجت باكرا ، لكي تلتحق بالمقهى الذي تعمل فيه منظفة و غاسلة أواني ... عمل يضمن رعاية لفيروز و أخيها الذي يصغرها بسنتين ، و الذي انقطع عن الدراسة باكرا في نهاية الطور الابتدائي ...

التحقت فيروز بأمها وهي في طريقها إلى الثانوية ... قطعة من ( الحرشة ) و كأس حليب ساخن ، ذاك حظها هذا الصباح من إكرامية الفطور في المقهى مع ابتسامة و تقبيل ليد أمها ...:

ـ الله يرضي عليك يا بنيتي و يعطيك النجاح و يحفظك من أولاد الحرام ...

الثامنة إلا عشر دقائق ... فرادى و مثنى و ثلاث ... مرور المواكب التلاميذية المختلفة الأعمار ... في منتهى هذا الشارع الذي يقف برجا عاليا ، و سور صين عظيم يحجب عالم سكان حيها ، تتوزع المؤسسات التعليمية مع توزع الأعمار ... أقربها ابتدائية ، و بعدَها إعدادية ، و أبعدها الثانوية التأهيلية التي التحقت فيروز للدراسة بها هذه السنة ... إنما الوصول إليها بعد عبور حي مجاور خاص بالفيلات ...

يمر عبدالحليم بمفرده ... تختارُه رفيقَ الطريق ، وهو رفيق دراستها منذ الصف الإعدادي الأول ... و الآن ، أربع سنوات مرت على تجاورهما داخل الفصل الدراسي ، و في طاولة واحدة ...

أصبحا متلازمين ، متفاهمين ، متوافقين في جل الأمور ... و في جل صعاب الحياة ، في الشارع كما في المدرسة ... أما المنزل ، فقد شكّل لهما فضاء ساكنا و استراحة للمشترك بينهما من كلام و أحلام و خيال ... و قد اعتادا على تلخيصه في الكلام كل مرة بمشاكله و وضعه إبعادا لهمومه عنهما ...

كانت علاقتهما مخضرمة بين خروج من طفولة يافعة ، و دخول إلى مراهقة جامحة ... عرفا ، هما الاثنان ، كيف يوافقان و يوفقان بين اللعب و المشاكسة و المداعبة و الملاطفة ... اخترقت أحلامهما لمساتهما و تورداتهما و لحظات ضعفهما ...

هي لا تدري لماذا لا تقوم بعَدِّ تلك البناية البارزة من بعيد و الملونة جدرانها بأزهى الألوان ، ضمن المؤسسات التعليمية الثلاث الأخريات ، كلما ورَدَت في حكي أو حديث  ...

ـ آه ... تلك مؤسسة خصوصية ... يدرس فيها أصحاب السيارات و النقل المدرسي الأصفر اللون ... أما دراستنا فهي خاصة بنا ...

نزهة الصباح و المساء ، و الظهر و ما بعد الزوال ، تكون باختراق حي الفيلات بين الثانوية و الشارع المؤدي إلى الحي و الزقاق...

كلما أشرفت عليها مقبلة على بوابتها ، تعلق هامسة في أذن عبدالحليم :

ـ الثانوية التهليكية ترحب بكم .

ينتهز عبدالحليم كل فرصة حين المرور بين فضاء حدائق الفيلات المكسوة بالورود و الأشجار و الشرفات الهادئة الجمال ، يطلب من فيروز وجبته :

ـ اعطني بوسة !

 كل مرة يتغير الجواب ... فأحوال الطقس مثلها كذلك المزاج ... مرة على الخد ، و مرة يكون الجواب :

ـ أنت أحمق الناس ترانا ... حتى للفايسبوك و خذها ... أو سر عند خالتك و خذها ... زِدْ على ذلك ، أنك لم تغنِّ لي اليوم ...

ـ آش نغني ليك  دابا؟

ـ لا يجب أن أكون طالبة للغناء ... أنت الذي يجب أن تستبق الطلب ..

بالكاد تبدأ الدراسة على الساعة الثامنة والربع ... هُدرت عشرون دقيقة من توقيت الانطلاقة الرسمي للدراسة ... تكون فيروز مع عبدالحليم من أوائل من وصلوا إلى باب المؤسسة على الساعة الثامنة صباحا ...

 يبدأ الأستاذ بالتحفيز على المشاركة في الأنشطة الأدبية :

ـ من منكم يريد المشاركة في مسابقة أدبية للقصة القصيرة و الشعر ؟

ـ أستاذ ، كيف نكتب قصةً ؟

ـ القصة القصيرة تحتاج إلى جانب الأسلوب ، الشخصية و الحدث و البيئة ...

ـ أستاذ ، مررت بجانب جثةٍ هذا الصباح ، و طار مني قلبي ...

قهقه التلامذة ، فيما فيروز اغتاضت من سخريتهم ... انبعث هلعها الحقيقي حين باحت بالجملة الأولى أمام الأستاذ ... أما في لحظته ، فقد كان خوفا أزرقا مرسوما على صقيع جسدها ... مع شهقة ، انهارت في غيبوبة ...

 

فيروز و عبدالحليم