"أم قشعم"
- I sacrifice my body to your soul, abdou!
ـ لك روحي وما تشائين !
- Just agree to the convention !
- أوكي.
- باتت (ليف) ملاكا باجنحة بيضاء ناصعة، محلقة فوق القارات، عابرة البحار والصحاري والهضاب والوديان والمروج، والأسِرّة.
كانت فرصتهم لكسب علاقة معها، وكأنها نبتة الخلد أو فاكهة الجنة الواعدة به. كلهم وافقوا وعبَروا بنفس الصيغة والتوقيع والسرية: أوكي. كلهم عاشوا نشوة ساحرة وملحمة فاتحة يحققها كل بطل حين اقتحامه التخوم واختراقه القلاع المنيعة وهروب الجنود وقوادهم، وبقاء كنوزهم وحريمهم. وأي احتفال أحلى من كأس مقرعة وجسد ناعم يكسر أغلال التمنع.
لكن الفتح جاء بين يديك، باقة معطرة مهداة. وكأنه عرش سليمان وعالم الجن المسخر لرمشة العين وخطف الخيال والرغبة. فعلا. كانت الجلسة مرمرية، زجاجا أسود يعكس الأضواء الخافتة ويغازل مياه المسبح المحيط بالجلسة المستطيلة، والملون بمصابيح طيف ألوان وسحر عطور وخيال.
خطت بساقيها المبللتين، ماسكة بتلابيب حريرية شفافة وكاشفة. كانت مقبلاته قبل مجيئها فواكه مسكرة ومقدمات كأس وسكوتش ويسكي، وقبلها، كان حماما وتدليكا وأنامل ناعمة تهيئه بإغرائها.
- I sacrifice my soul to my nation, DEAR RABBIN ! All mine is an institution!
- أتمنى أن تظل روحك لقضيتك، فقد تمجّد جسدك بفتوحاته الكبيرة، ومجّدت شعبك بخدمة قضيته الكبرى.
- اطمئن عزيزي الحاخام، جعلت لكل اتفاقية وتوقيع جلستهما الخاصة وعهد تجديد فتوحاتهما. ما كانت (ليف) لتنخدع، وما كنت لأرجع لمهمتي دون مباركتك، وما كانت بلقيس لتنجو حسب الرواية دون إقدامها على إنقاذ مملكتها. لعلني الملك سليمان، ولعلهم فحول الصحراء الذين روّضهم بسحر قوته ونبوته.
- ولعلك بلقيس في مهمة أرسلها إليها الملك سليمان.
ليلا، جاءها طائر مفترس، وضع مخالبه على كتفيها، فتح بمنقاره شفتيها وأولج لسانه الأحمر الطويل في بلعومها. كادت تختنق، وشعرت بارتجاج وتعرق وتصبب في كامل جسدها. حينما فتحت عينيها، أسعفها وميض في رؤية طيفه متسللا من الشرفة وإزارها ملقى فوق الأرضية ومستمرا في الارتجاج الذي عايشته في كيانها.
في الظلام الدامس لمحت كتابة مضاءة بنور مذهب. صحيفة معلقة في زاوية من الجدار:
ـ اجعلي بيضك في عش كل أم قشعم، حتى تبقى وصاياهم بمبيضنا وفراخنا هناك.
شرعت الستائر وكانت النجوم تغازل زرقة تكتسح لباسها الأسود. طلسمتْ حروف اسمها صارخة: ل ي ف ! وحلقت بأجنحتها لمهمة جديدة.
حينما فتحت عينيها سمعت مضيفة الطيران تخاطبها بصوتها الناعم: الخطوط العظيمة ترحب بكم. كانت المضيفة هديتها المبعوثة ومرافقتها للجناح الراقي في سلسلة الفنادق العالمية: ل ي ف...
تحول لون عينيها من أزرق فاتح إلى عسلي كطائر رخ أسطوري. عجبت للحكاية ونامت بجوار مضيفتها. وخلال الفتوحات الجسدية خاطبت جليستها:
- أنا مؤسسة وجسدي أزراره أسرار، تفتح مع كل جواب. ما رأيك في تجريب امتحان؟
- كلي لك يا ليف.
- اعتبري نفسك النبي سليمان وأنا بلقيس. سليمان الذي سمعت عن مملكته وحكمته:
بلقيس: "إن كنت حكيما فعلا، فسأسألك أسئلة وأرني إن كان بإمكانك الإجابة عنها"
سليمان: "الرب يعطي حكمة. من فمه المعرفة والفهم"
بلقيس: "ماهي السبع التي تخرج، والتسع التي تدخل، والاثنان اللذان يقدمان شرابا، والواحد الذي يشرب؟
سليمان :" السبع التي تخرج هي أيام الحيض والتسع التي تدخل هي شهور الحمل التسعة، والاثنان اللذان يقدمان شرابا هما الثديان والواحد الذي يشرب هو الرضيع".
قالت بلقيس بصوت عال: "أنت حكيم فعلا ! سأسألك سؤالا آخر وأرى إن كان بإمكانك إجابتي؟"
سليمان: "الرب يمنح الحكمة".
بلقيس: "أباك هو أبي، وجدك هو زوجي، أنت إبني وأنا أختك؟".
أجاب سليمان: "ابنتا لوط" (اللتان حبلا من أبيهما لوط حسب العهد القديم).
بلقيس: "يخرج كالغبار من الأرض، غذاؤه الغبار، يسكب كالمياه ويضيء المنازل؟"
نفثت المضيفة مثلما نفث سليمان.
بلقيس: "شيء عندما يعيش لا يتحرك وعندما تقطع رأسه يتحرك؟".
سليمان: "السفينة في البحر".
بلقيس: "ماهو الذي لم يولد بعد ولكنه أعطي حياة؟"
سليمان " عجل الذهب "
بلقيس: "الميت عاش ويصلي والقبر يتحرك، من هو؟"
سليمان: الميت يونس وقبره الحوت.
- ما هو سرك يا مضيفتي؟
- أنا راعيتك وحاضنتك وفاتحة أزرارك. هلا فتحت لي أسرارك؟!
- كنت أظنني الطائر الأسطوري الوحيد. لكن يبدو أن حكمة التسمية جعلت أم قشعم ثانية سماء فوق سمائي وظلا لتحركاتي!
"حسن إمامي"