Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Menu
زهرة النرجس 30

زهرة النرجس 30

زهرة النرجس 30

تُحاصر السيدة أسماء وتنزعج بوضعها المقلق داخل مجال العمل. بدا الحرج في الاجتماعات التي احتاج فيها المسؤولون إلى اتخاذ اجراءات جديدة أكثر صرامة مع المستخدمين والمديرين للوكالات البنكية. ورغم كون آخر اجتماع تحدث عن أرقام وليس عن أشخاص، إذ أن العشرات من الخيانات المهنية تسجل شهريا عبر فروع البنك الذي تعمل فيه، رغم أن المدير العام لم يذكر اسم زوجها الحسين، إلا أن إجراء إبعاد كل من لهم علاقة بهؤلاء الخائنين عن أي تواصل مباشر مع الزبناء قد خلق عندها مغصا وانهيارا عصبيا داخليا اضطرها بعد الاجتماع لأخذ رخصة مرَضية ليومين.

هكذا أصبحت وظيفتُها مكتبية وانتقلت من مقر عملها القديم إلى آخر بعيد عن المركز. تحوّلت فيها ظروف الحياة وشحبت معها ابتسامة السيدة الأنيقة كوردة ذبلت من فرط غياب لأشعة وسقاء. ستنزوي السيد على نفسها وتهتم بتربية بنتها، لكنها كذلك ستمنطق الأمور وتحدد المسؤوليات فيما يجري. لا يمكنها أن تردّ اللوم على نفسها وإلا سحقها الأمر، كما عبّرت عن ذلك أمها التي ساندتها في محنتِها.

لا تدري لماذا بدأت تشعر بالأمان في مكالمة السيد فؤاد، وتهتم بجديده وتشجعه على المضيّ قدما فيما يعده به القدر. تتابع عمله بالمؤسسة التعليمية وذلك اتعامل التفضيلي المجعول له فيها، كذا رحلته إلى تركيا التي لم تستطِع كبح مشاعرها في تمني أن تكون معه فيها.

ـ بعض الأحيان تتمنى شيئا جنونيا ينقدك من هذا الواقع ولو كان للحظات، حتى لا تُجنّ بالفعل. أعذرني على تعبيري فأنا أحتاج فعلا إلى عالم جديد. لقد سحقني الحسين بما فعل من قبل ومن بعد.

هل أصبح فؤاد واسطة العِقد في هذه الحكاية؟ كيف سيجد نفسه بين تقرّب أسماء، وبين عرْض زوجة السيد عبد الجواد عليه الزواج من ابنة خالتها بنواحي وزان؟ وبين رسائل أبي ذر الغفاري الذي استعاد لقبه حين التحاقه بجبهة القتال؟ وأشياء أخرى تدخل في توازنات شخصيتِه الداخلية كما يراها هو ويعيشها.

لا ينسى فؤاد صديقه الخياط بالمدينة القديمة. فكلما سنحت له الفرصة لكي يستريح من حركيته الجديدة، ذهب للجلوس بجانبه وتقاسم الشجون والمهدئات المتبخّرة مخدرا مدخّنا في سبسي الكيف او لفافة حشيش. يعتبر راحته في هذه الجلسة.

ـ الله. أشعر بالسعادة والراحة التامة حينما اجلس على هذا الكرسي بجواره وسط عبق هذه المدينة وسحرها.

لكن ذلك الشعور سرعان ما تخرجه من وسادة أحلامه وأمانيه رنّة هاتف تضطره لمغادرة الجلسة والاستمرار في حياته الجديدة. وبين مروره أمام باب المسجد الكبير ومكتبته وخروجه من قوس باب عيسي، تحضره الشخصيتان الرئيسيتان المتجاورتان في كيانه. هذا الصقر الحر بين أسوار مدينته العتيقة سيتكبّل من جديد بقيود غير مرئية، لكنها خانقة لأنفاسه وروحه وفطرته. يتذمر من اختناق الشوارع بالضجيج والتلوث، فيفرغ هذا في ذاك ويساهم هو الآخر فيهما. يضغط على زرّ الكلاكسون فيدوّي معه صفير يفرغ توتراته لاتي يعبّر عنها دون وعي:

ـ الله يلعنها عيشة.

يستدير جهة سائق أو سائقة سيارة بجانبه فيحوّل تجهمه الداخلي إلى ابتسامة ديبلوماسية باردة. في بعض المرات تجلب له مثيرات ـ و شكوك، فتصبح امتحانا للتواصل وعفوية قدره اليومي. قد يحدث صديقه الخياط عن مغامرات بعضه. كيف تدفعه ابتسامة مقابلة للطمع في التعرف على صاحبة السيارة فيتبعها ويلمّح بضوء سيارته لتبدأ لغة إشارات ضوئية كما في البحرية. قد تنجح العملية بركن السيارتين بجانب رصيف شارع جديد، وقد تبقى مجرد لعبة يجعل كل واحد منهما الآخر طامعا وضائعا بهروب طيف العجلات دون قدرة على اللحاق بدخانها المنبعث منها.

ما الجديد الذي سيعيشه داخل حياته بمدينة الدارالبيضاء؟ سؤال اشتركتْ معه أسماء في مناقشتِه وسبر أسراره وأغواره. أسماء التي تباعد وجدانها عن كل أمل في استرجاع حياة سوية جديدة. زوج غائب وفارٌّ من العدالة، وابنة مجرومة من حنان أبوة وحضور متوازن لها في حياتها. كلما أتى الليل وأطفأت نور مصباح السرير، كان الدمع مسارعا ليسبح في يم عينيها. اشتعلت حرقة الغياب والحرمان، واحتجت ذات امرأة على كل ذلك. ها هي في الواحد والثلاثين من عمرها، في ذروة الظمأ والعطش ووهج الشوق والشهوة. لكنها شجرة بدون سقاية. فهل ستموت متيبّسة ومسحولة؟ لا أحد يشاركها شجنها حتى يخفف عنها وقعه وألمه إلا ما كان من بوحها الذي تُسِرّ به لفؤاد إذا سنحت لها الفرصة. وكأنه فؤاد هو بئر روحها الذي ستصرخ في جبّه وعمقه حتى تفرغ وتفجّر، وحتى لا يسمعها سواه فيردد صداها وينعشها برطوبته وهدوئه وصمته الممتلئ بماء عذب هو إكسير شاربه.

ـ أنت زهرة في ريعان أنوثتك. سيعوضك الله بما هو أفضل. صبر جميل. اسقِ روحك بماء الإيمان ولا تنسيْ دعاء الرحمن.

وصية أمّها لها.