Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Menu
زهرة النرجس 13

زهرة النرجس 13

زهرة النرجس 13

التحق السيد عبدالجواد و ضيفه بجماعة جديدة على هذا الخير. كان الجو دافئا بالليل ما دام الجو صيفا، استعان بنسيم الوادي الذي يبعث رطوبة محملة برسائل الأشجار والشعاب. فبعد أن رسمت عجلات السيارة طريقها بين شوارع المدينة، انعرجت جهة حي بليزانس المطل على وادي ويسلان. وما دامت التسمية بالفرنسية فقد احتفظ هذا الحي الراقي عليها ليُتْرك الاسم العربي على الجهة المقابلة خلفه حيث يفصلهما ممر السكك الحديدية والشارع المزدوج المؤدي إلى مدينة فاس. هكذا تميز ساكنة المدينة بين بّليزانس و البساتين. تسمية على مسمى كان قائما فعليا وبقيت منه خصائص مقاومة بيئية وطبيعية في مواجهة حركة إسمنتية وتزفيتية أتت على مروج وبساتين حقيقية رائعة كانت جنة ومفخرة للمدينة فعلا.

كان المنظر ساحر ليلا كذلك مع رؤية هذه التلال والربوات متلألئة بمصابيح الإنارة العمومية وببصمات النوافذ المستيقظة لسهر هذا المساء من يوم خميس من أواخر شهر ماي. لم تُسمع أصوات خارجية خلال الطريق إلا ما كان من صوت السادسة هذه القناة الإذاعية التي شغّلها السيد عبدالجواد. بدت السيارة كعلبة صوتية مغلقة، وكمجرة لرؤية بانورامية مفتوحة على زواياها المتعددة. يتخلل الرحلة الإذاعية صوت السيد عبدالجواد كل مرة بحديث مؤنس ومستانس بالشاب فؤاد. بدا على هذا الأخير الحرج والارتياب والخجل، فارتأى السيد عبدالجواد أن يجعل حواره معه مسترسلا ومداعبا في ما لطُف من الكلام.

ـ إن شاء الله تعالى، ستجدهم أناسا طيبين ومباركين ولطفاء.. ستستأنس بهم وبالحديث معهم وبرفقتهم كذلك. النبي العدنان اوصانا على التحاب في الله تعالى وجعلَنا إخوة في الدين لهذا الغرض. لا تجعل نفسك غريبا عنهم. ولا يبهرك المكان ونعمه، فكلٌّ ميسَّرٌ لما خلق له.

بين مدخل الفيلا وموقف السيارات بداخلها كانت المسافة مائة متر تقريبا. ثلاث سيارات راسية ومن مسافة قريبة بدت لهما جلسة في الهواء الطلق تحت أضواء بيضاء يحرسها البدر في طلعته المستوية فوق الجماعة. الكراسي خشبية لكنها مريحة بأغلفتها الناعمة بالقطن و ثوب رطب أزرق اللون. كان في استقبالهم الرسمي رجل ستيني في لحيته و لباسه الأبيض. خفيف الحركة ومتماسكها رغم شيبه ورغم مناداة الكل له بالشيخ ـ شيخنا الأبرك ـ. رحب الضيفين في عناق ودي وربت مستمر وابستامة رفيعة لم يجد فؤاد بدًّا من الانشراح و الابتسام ومبادلة الكلام المناسب والطليق خلال حواريته مع الشيخ وضيوفه. منذ مدة لم يشعر بهذه القوة الدافعة للكلام بكل ما أوتي من لباقة و ديبلوماسية كلام و حوار. كأنه ولد لغة من جديد، لم تعد نفسه مكبّلة للسانه ولا لأفكاره. المحيا والتحية والابتسام والكلام ، كلها عناصر تغيرت فجأة في طبع فؤاد وبالمثل لاحظ حضورها عند الجماعة كذلك.

كان الشيخ هو الشخص الوحيد الذي يرتدي لباسا تقليديا بجبدور وسروال، مطرّزين بخيوط حرير مذهّب وناصع. باقي الأشخاص الذين قدّما للسلام والتحية على السيد فؤاد، الحاج اسعيد، متوسط القامة ونحيف، يبدو عليه تمسكه بربطة العنق وبدلة موحدة الألوان رغم حرارة اواخر شهر ماي. صوت رقيق ومبحوح وعينان صغيرتان في حركة سريعة و لافتة للنظر.

الشخص الثالث، كانت لغته العربية فصيحة ودقيقة في اختيار كلماتها. ابتسامته كما نظرته حذرة. يزيد على فؤاد بخمسة سنتيميترات طولا عن قامته، ما دامت عينا فؤاد قد حذقتا في أعلى رأسه وفي استحضار سريع لمترِه و تسعة وسبعين سنتيميترا من قامته. ازدوجت الابتسامة حين تتمة السلام عليه. قد تبدو زائدة في قياسها و حدها المطلوب، إنما من يختبر فؤاد و يحلّله لحظتها.

كان الشخص الثالث أنيقا في كل شيء حذائه اللامع و شعره ولباسه و سبحته التي لا تفارق ضمّ يديه إلا لسلام او تلويحة إشارة. الحاج كمال. هكذا قدّمه الشيخ حميد لهما. ضيف وأخ عزيز وكريم من بلاد تركيا.

ـ تركيا إن شاء الله هي مصباحنا اليوم آ الحاج كمال. ومثلما كانت عزة للمسلمين أيام الإمبراطورية ستعود  لتحارب ضعفنا و خيانتنا و شتاتنا إنا شاء الله رب العالمين.

ردت الجماعة اللازمة في شكل شبه موحد و في لحظة واحدة. كان الاستثناء في صوت فؤاد الذي تأخر و تذبذب في نطقها فجاء حرف جرّه الأخير هو الاخير في كلمة العالمين.

ـ كلنا إخوة والحمد لله، عرب وترك وأرمين وأفغان وغيرهم من خلق الله. كلنا إخوة في الله تعالى رب العالمين.

يتوجه الحاج كمال بالحديث مع الشاب فؤاد:                       

ـ مرحبا سيد فؤاد. يبدو أنك عزيز على السيد عبدالجواد لكي صطحبك ضيفا عزيزا ومكرما عندنا ومعنا. اعتبرني أخوك الجديد. نادني كمال، بدون حاج. ومرحبا بك عندي في المغرب كما في تركيا، في بلدتي أنطاكيا، ستعجبك كثيرا.