Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Menu
زهرة النرجس 12

زهرة النرجس 12

زهرة النرجس 12

 

قصير القامة، عريض الكتفين، ما يدل على بدانته طبعا. أنيق المحيا لدرجة نضارة وجهه وبريق شعره الأسود وعينيه اللامعتين ابتسامةً وتفاؤلاً. يجيد في جلستِه التواصلَ المتفاعل، بين الاستمرار في مكالمة هاتفية وتنبيه شريكه في محل البيع ومخاطبة أحد الزبائن بما يناسب الإقناع، كانت هذه ملاحظات فؤاد وهو يقف أمام باب دكان الفتح بقيسارية وادي الذهب الخاصة ببيع الذهب.

فؤاد الذي تغيرت شخصيته فتحول معها إلى كتوم صامت، لكنه جامد النظرات واثق الخطى. لم يعد ذاك الباحث عن يوميّ الغرائز أو مشبعات الإدمان. هل أقلع التدخين و عن الإدمان؟ لم يفكر هو في هذا السؤال. ربما فكر فيه محيطُه. لكن محيطَه لم يكن ليجرؤ على التدخل في خصوصياته. شخصية السجين أصبحت أكثر عمقا وأكثر حرية في خصوصياتها هاته. نظرة أخيه عماد وأخته سارة، أصبحت أكثر مهابة واحتراما. ربما هو بطلٌ اخترق عوالم المحظورات والممنوعات وجدرانها، واستطاع الخروج منها بمعجزة خيالية أكثر انتصارا، يجهلانها معا سارة و عماد. هكذا قد يتخيّله أخوه. أما سارة، فما تعلّمته من أمها، وما لاحظته من بنائها الجديد لحبّ ولقيمة وفضائل ومحاسن ابنها البكر فؤاد، أصبح عندها أخوها فؤاد نموذجا للرجل الشهم والمتحدي والقادر على كل شيء بشجاعته.

أما ما كان من أبيه ـ هذا المنافس في السلالة و الشجرة وفي الذكورة ورعونتها ـ فقد استسلم لقدر الأحداث، وترك لميَسَّرِها أن يحدث ويقع: (لها مدبر حكيم)، هكذا يعبّر و يختم كلامه في الموضوع فيترك لأم فؤاد أن ترتب وتنجز كلما تعلّق به. هكذا أصبح لفؤاد عيش من جديد بين أحضان أسرته. خدمات مادية ومنزلية، مسافات تشاور واحترام. كا هذا كان فؤاد بترقبُه و يحلّله ولا يدري كيف يفسّره بالمناسب له. يشعر بغرابة الحياة الجديدة. داخليا، هناك حالة استنفار من كل احتمالات إزعاج أو إقحام. هناك احلام، بل كوابيس توقظه في جوف الليل، تقض مضجعه، تعرّقه في بدنه. تخترقه كل الاحتمالات التي لم تقع، أما التي وقعت فلها أثرها  اليومي الجديد.

مرّ أسبوعان على خروجه من السجن، حينما قرر الذهاب إلى السيد عبدالجواد، بعد أن ألحّ عليه السيد عبدالعاطي في مكالمة هاتفية في اٌلإقدام على الخطوة والعمل بالتوصية. لا تفصله عن القيسارية إلا مسافة العشر دقائق، و كانه لم يكن بجوارها طول حياته. لم تكن في دائرة اهتماماته و انشغالاته في يوم من الأيام.

يلاحظ الحركية المرتبطة بها وبأضواء مصابيحها القوية، وزبائنها المتنوعين، وسوقها السوداء التي تنتشر خلف دروبها والتي تصل ملفاتُها إلى فضاء السجون، ومنه السجن الذي كان ضيفا عليه خلال المدة السابقة. يستغرب للعلاقة التي تجمع السيد عبدالعاطي بالسيد عبدالجواد. هذا بائه ذهب وفضة، وذاك بائع خضر وتاجر بالتقسيط في مواد متنوعة أخرى. كيف له أن يكون دخيل السجن دون قضية ذهب تجعل له علاقة بالسيد عبدالجواد؟

على العموم، كل هذه الأمور لم تكن لتشكل عالمه. ها هو الآن يقف أما دكان أكبر تجار القيسارية السيد عبدالجواد. هياته برهان نعمته. خاتم ثمين يطبع بنصر يده اليمنى، و آخر رقيق يوقّع لوضعيته الأسرية كزوج وأب أسرة. ملابس فاخرة وحذاء موضة رفيعة رجّح فؤاد أنها من أفخر متاجر الأحذية بالمغرب.

ما يعرفه عن السيد عبدالجواد، سيارته الرفيعة رباعية الدفع ذات التكنولوجيا المتطورة و العالية، وثمنها الذي يصل إلى مرويات سبعين او ثمانين مليون سنتيم. هكذا هو عالم الأغنياء، تقديرات و تخمينات في ذهن فؤاد. لم يعش منه إلا استهلاك المدينة الجديدة في علبِها الليلية و مطاعمها الفاخرة الخاصة في فنادقها وليالي أنسها. وكان كل ذلك حلم كاذب. انقشع، كأنه لم يكن أبدا.

ـ أنا من طرف السيد عبدالعاطي.

ـ أهلا، أهلا سيدي العزيز. لقد كلّمني عنك كثيرا. انتظرتك منذ مدة أسبوع تقريبا. والله العظيم أنا سعيد لأنك جئتني اليوم. أقدامك سعد على عبتة محلنا. تفضّلْ، تفضّلْ.

كان الترحاب و العناق باب الدكان، وكانت الدعوة للجلوس بدكان آخر غالبية مهمته ورشات صياغة للذهب و الفضة. تنولا كأسي شاي وتبادلا الحديث العام حول الصحة والعائلة والاشتياق للسيد عبدالعاطي. همس اليد عبدالجواد وكأنه يبوح بسرّ أو حقيقة كبرى:

ـ السيد عبدالعاطي، لا مثيل له في البلاد. شجاعة وعبادة وأخلاق والتزام. مال الدنيا لا يضاهيه وزنا.

يسمع فؤاد و يبتسم أكثر مما يتكلم. يجيب على بعض أسئلة السيد عبدالجواد. يتعرّف على عائلته و اسمه الأسري وأبيه الذي يلتقي معه بعض المرات بين دروب المدينة او مساجدها. لم يجد مبررا لرفض عزومة على وجبة عشاء.

ـ إن شاء الله، بعد صلاة العشاء بالمسجد الأعظم نلتقي أمام بابه الخلفي المجاور لباب مكتبة الجامع الكبير.