حلم الوديعه

حسن إمامي

   صَحَتِ الوديعة على لحن عندليب جميل.من فتحات ستار نافذتها،اخترقت اشعة الشمس محدثةً بسناها لوحة نور بأعمدة براقة أحاطت بسرير نوم الوديعة. حطَّتْ خيْطان مع نور انعكست عليهما الوان زجاج النافذة الأحمر و الأزرق. فجعلت الأشعة قُبلتين على وجنتيها: زرقاء على اليمين، وحمراء على الشمال.كأنها نسجت لونا ورديا جهة قلبها، ولونا أوركيديا جهة وضَاءة وجهها القمري المفضض البارق بنضرته اللجينية

.

عندَلَ ثم عندلَ، ونقَر الزجاج داعيا الوديعة إلى فتح باب الشرفة المطلة على سهل ممتد  إلى تلال مترامية في الافق البعيد، تعطي للحلم والخيال قوة الابداع والتعبير والطرب الشادي المرافق والعاشق لنور الصباح، كما للشفق الأحمر في المساء الغارب الذي يكسو الهضاب والتلال المحيطة عبر هذا السهل الفسيح. خضرة كفراش عميق يعلوه ضباب خفيف ورطب يتفرق كغطاء ينبسط على محيط الاراضي الخضراء،فيتداخل البياض مع الاخضرار،ويأتي اللون القرمزي والأحمر القاني،واسرة القوس القزحي،لتزيين حُلّة العروسةالوديعة في هذا العرس الطبيعي الذي يحتفل بها على هودج شرفتها... ـ

تثاءبت مع إطلالتها على الشرفة،مادةً أطرافها العلوية الى أعلى،احتضانا لهذا الصباح الجميل.

حضر عصفوران بألوان بديعة زاهية.رفرفا بأجنحة مظلة ومعطرة،تحمل نسيم أزهار الحقول وورود البساتين... فرشَا بساطا أمام قدميها. تقدَّمَها العندليب في نطه وامتطائه البساط العجيب.جعلت قدميها الناعمتين على ملمس صوف البساط المزركش بألوان الربيع.شعرت بجاذبية طائرة،جعلت جسمها خفيفا كفراشة،لا تحس لها ثقلا و لا ضغطا.أجنحتها معانقة بعبق عطرٍ لكل ما تلمسه وتحل به

.

حمل الطائران البساط.والوديعة معانقة فوقه بحضن ذراعيها كل الفضاء الجميل . في كل مرة تستقبلها تحية مرحبة ، مغنية و مغردة ...  بين المروج والجداول تتراقص الأشجار وتتمايل لمرور موكب وهودج الوديعة البهي فوق بساطه ... ـ

أنشد العندليب،والطائران يردان عليه لحنه ونشيده : ـ

نور الصباح بمحيا الوديعة

كلنا نغني، نستحم معه سويا

البهية اقبلت على البحيرة معيه

يرد الطائران : ـ

نور الصباح

أميرة بهيه

نور الصباح وديعة بهيه

ترد اشجار الصفصاف والميموزا:

ظلالنا لها

نحمل معها نسيما صحيا

نقيها حرارة شمس الصبحيه

تطل الشمس من على سحابة جميلة: ـ

جعلت لها اشعتي دفئا

حمام نور صبحة وعشيه

باردة وقت الظهيره

ناعمة أطراف اليوميه

حملتُ لها ارطب السحب

مظلة لخطوِها في البحر والبريه

يحط موكب البساط على فراش أخضر من الربيع الزاهي.يدعوها للاسترخاء والاستراحة والاستمتاع برحلة الشرفة والبحيرة.تأبى الأميرة وتخاف أن تدوس على النبات المزهو بالزهور بوزن جسمها...يُجيبها العشب بأغنية تتراقص مع هبوب الرياح المتماوج اللطيف : ـ

استلقي ايتها الوديعة

إذا على اليمين مِلْتِ

جعلنا امتدادنا يمينا

وراحتنا معك نعيما

واذا على الشمال مِلْتِ

فرشنا خدنا اليمن

وملنا كلنا لك روضا أمينا

استلقي ايتها البهيه

ايتها الوديعه

..

تُلاطف بابتسامتها سمفونية هذه الأوركيسترا الطبيعية..تُلامس بكَفَّيْها سلاما وامانا وصحبة و محبة أشعة الشمس اللطيفة،وهبوب الريح الذي يدفئها، وظل السحاب الذي يكيفها،ولواقح الزهور والأشجار التي تتراقص داخل مسرح الطبيعة،بين ضفاف وشطآن البحيرة الناعمة.. يَشْرع رقص الأسماك بين فضفضة وفطفطة،وتراشٍّ وارتماءات مقوسة...مرة يمر خيطا متموجا في قفز وغطس عابرا طولا وعرضا... ومرة في شكل دائري جاعلا ذيله رقصة شرقية،وجسده لامعا كثُرَيَّا فوق صفحة الماء التي انعكست عليها الوان السماء والاشجار وحركات الخلائق المشاركة في الاحتفال...

والبلابل والعنادل تؤثت الفضاء،تغرد لهذا البهاء..

راحت الوديعة فوق البساط،والطائران حافان،في رقصة فضائية يصعد البساط مستديرا فوق البحيرة،تتعالى الأنغام،والأشجار منحنية حتى ملمس كفيها، والأزهار حتى معانقة خديها، والندى مهدى لوجنتيها.. راحت في ابتسامتها معيدة رمش عينيها،  وجدت حلُمها نعيم صباحها الذي اخترق بنوره غرفتها واضاء بوهجه شرفتها،ونادت : صباح جميل ٌايها العالم البهي الحبيب