Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Menu
مزارات ـ 3 ـ

مزارات ـ 3 ـ

مزارات ـ 3 ـ

في البحث الإلكتروني، يعتبر (جيليز) امتدادا لآخر منحدر الجبال من الجهة الجنوبية المطلة على آفاق بعيدة لها ارتباط بالتاريخ والمدينة. الجبل طلعة شامخة وصامتة مطلة على المدينة.

تراه من بعيد وأنت مخترق لشارع جيليز، هذا الشارع الذي أصبحت له شهرة عالمية في الدوائر الغربية قبل غيرها. ها هو اليوم يزداد تألقا بمحلات تسوقه الرفيعة ومطاعمه الراقية وفنادقه الساحرة وخدماتها الكثيرة.

وهو الشارع في نظر الوالد، يمزج بين طلب اللذة وتغذية الروح. تناقض شارخ قد يبدو للبعض في هذا المزج بين اللذة المادية واللذة الروحية. لكن الذات الإنسانية جمّاعة الغرائب والعجائب وليس المتناقضات فحسب. وهو تناقض لا يعني التنافر بقدر ما يعني تمازج عناصر الحياة وفلسفة العيش ورؤيتهما انطلاقا من الجبل ـ الشارع ـ الذات.

كفى فلسفة يا أبي وانطلق لحكي بسيط حتى أقرأك بارتياح مريح في المستقبل. أو إنك تريد لقراءتي أن تكون متجددة كل حين، مولدة لفهم جديد كل مرحلة، مستنتجة بتوليد. هكذا تقودني بعباراتك إلى مقصودك ومرغوبك وكلامك. لو اكتفيت بجملة الآن، ماذا تقول في تفسيرك؟

لك أن تستريح في عملية الكتابة، وتغمض عينيك لاسترجاع نفَس فكر وتحليل. أنت ترى الصوفي المعتكف في الجبل. أنت تسترجع قرونا خلت. ترى سنواته التي صنعت منه قطبا وشيخا، والتي قادته لجاذبية المدينة وحاجتها إليه. أنت محتار في تحديد ما اطلعت عليه. والباحثون محتارون. أين كانت إقامة الشيخ؟ بين أحضان هرت وجبلهم أو هذه التلة الحمراء الماثلة هناك هنا؟ وكأن عينيه ونظرته الممتدة في الروح مرسلة لعبير يخترق الوجدان.

كيف طُلب منه أن يشفع ويستغيث. كيف اشترط دخلته وكيف تجاورت سلطته الروحية مع سلطة السياسة، سلوك الرحمة مع نزلة السوط، غرس بذور الإنسانية بدل نزع الأرزاق للاستقواء على العباد. بين فلسفة شيخ متصوف سيصبح من أشهر سبعة رجال المدينة، مدينة مراكش، وسلوك أصحاب القصور في السياسة للناس وتطويعهم وإخضاعهم لإمرة متجددة يوميا، كان الجبل شاهدا على هذا التاريخ، حاملا لذكريات صاحبه إلى أن اتى المستعمِر. ولي َ أنا طفلك أن أطرح عليك سؤالا: ما دخل المستعمر في علاقة الشيخ المتصوف بالمدينة؟ والجبل بالطبقة الحكمة؟ وهذا بذاك؟

هل كان جبل جيليز ومنحدره مدخل الأولياء لمدينة مراكش؟ هل كانت المدينة عطشى لسقاية الروح؟ جسدا قد يجف بداء السياسة فيستغيث بالزهاد لكي ينقذوه من الحتف المرتقب أو الفتنة لفتاكة؟ أي تهديد وجودي يمتلك الناس فيجعلهم يبحثون عن المساعد في إنقاذ أرواحهم والشفاء من عنائهم وعذابهم؟ أهو أرق زاحف على الجميع؟

أسئلة التاريخ لا تنتهي يا بني. ولكي تعلم، فكم من سؤال يتضمن أجوبته أو مفاتيح الأجوبة. سأترك بصمة لبعض الأسماء على أن ترجع لها وتراجعها: أبو العباس السبتي ـ أبو مدين ـ أبو يعزى... وتواريخ مرتبطة بها: 571ه ـ 1147م...

وأنت تلج المدينة لأول مرة في الرابع من أبريل من سنة 2019م الموافق ل28 رجب 1440ه، كانت الساعة الرابعة والنصف بعد الزوال تقريبا. كان الفضاء معاصرا وحداثيا برونق يليق بمدينة عالمية سياحيا وثقافيا. وأنت تضع خطواتك الأولى الرفيعة فوق أرضية المحطة، كان قلبي يرفرف محبة لك ولعلماء المدينة وزهادها كما لرجالاتها السبعة. ولعل أكثر ما استهواني هو أبو العباس السبتي بينهم. ولعل ما بهرني انطلاقات خطوات المسرعة في االضرب فوق بساط أرضية المحطة وأرصفة مراكش وساحاتها التي استطعت فيها تجوالا.

ولعل مدخل القطار هو مدخل المدينة. ولعله ما يزال حيا يراففق كل زائر وعاشق جديد للمدينة، هذا المتصوف الزاهد المتعبد ينبوع كرم وعطاء وإعالة الفقراء والمكفوفين: أبو العباس السبتي رحمه الله تعالى. وأذكرك بقولة تعجبني للإمام ابن رشد: هذا الرجل جعل الوجود ينفعل بالجود. جملة جامعة مانعة تسع الوجود والكون والنعم والعطاء.

ولك أن تفك أسرارا وأسرارا، وليَ أن أشير بالعبارات وبتحليق الروح في دلالاتها وسفرها في وعلى متنها.

ليَ أن أحيلك في هذا الإقدام وهذا الاستقبال الروحي والوجداني في مدينة مراكش على ملاحظة عجيبة. ستكتشف بعضها حين زياراتك المستقبلية. ولا تنسَ أنني أخاطبك بلغة الزمن المطلق الصاهر للماضي في المستقبل في لحظة الآن:

أنظر إلى هذا الإقدام للناس على زيارة أولياء الله الصالحين. يتجدد ويتدفق ويتقوى. استنجاد يتطور بين ذات الزائر ومقام كل ولي. عبر قرون ما يزال مستمرا.

أنظر إلى مقام قبور رجال السياسة، ما دام الرجال هم الذين يحكمون. كيف هي منسية ومهملة في الزيارة. ولأنها أمة تعمل سياستها على محو الغير لإثبات الأنا، وعلى الأقل في سلوك رجال السياسة، فإن ما يدل على تاريخ قد يطمس أو يهمش، إلا ما كان من سلطة هؤلاء الأولياء التي فرضوها خارج إرادة الساسة والمتسيّسين. كيف هو مقام الولي نهر يسكب ويروي الظمآنين، وكيف هو مقام الساسة الراحلين وادٍ أو أودية هجرها الماء إلا ما يكون من جرف عاصفة جديدة تأتي على الأخضر واليابس فيه.

ولك أن تعتبر تحليلي مغالا فيه. لك أن تؤمن برأيك قبل رأيي، وتحليلك الذي تستنتجه وتعتمده، فهو المعوّل عليه عندك وفي لحظتك.