Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Menu
زهرة النرجس  31

زهرة النرجس 31

زهرة النرجس  31

"بسم الله الرحمن الرحيم"

" أخي في الله"

"أكتب إليك هذه السطور وأنا في طريقي إلى الجنة. كلّ يوم أدعو الله أن يجمعنا وإياكم في رياضه العطرة. الآن وجدت هدفي من الحياة، ولم يكن ذلك الجري وراء الدنيا سوى سراب يخدعنا به الزمن.

أدعو من الله تعالى أن يهديَ شبابنا لكي يلتحقوا بجبهة الجهاد ورفع راية الحق والنصرة لله تعالى."

"والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته"

كانت رسالة مقتضبة، سلّمها الحاج كمال للسيد فؤاد. كان لقاؤهما هذه المرة بمدينة الدار البيضاء حيث اكترى فؤاد محلا تجاريا وأسس بمعية شركائه والمساهمين الحقيقيين في المشروع شركة للاستيراد والتصدير.

جمع اللقاء من جديد السيد عبدالجواد والحاج حميد والحاج كمال والسيد فؤاد، إلى جانب فريق عمل محلي بالعاصمة الاقتصادية وحضور بعض المسؤولين ذوي مراكز قرار إداري وتجاري مهمة. سيكون فؤاد هو المشرف الإداري على المشروع والموقّع على العمليات التي تتم والمخبِر فدارة الشركة بجميع الصفقات والعمليات.

بشارع الجيش الملكي، أصبح لفؤاد سكن صغير في شقة تطل على البحر والميناء من شرفتها في الطابع التاسع عشر من العمارة الكبيرة المجاورة لمثيلاتها.

يستغرب فؤاد للرسالة ويستفهم عن طريقة تواصل ولقاء الحاج كمال بصديقه السيد عبدالعاطي الذي استغنى عن اسمه بلقبه أبي ذر الغفاري.

كانت العمليات التي تمرّن عليها دقيقة ومتقنة. فسّر له الحاج كمل بأن التجارة إذا اتبعت طريقها الشفاف ستبور في الضرائب والعراقيل، لذلك بيّن له بأن سلعا ستكون ظاهرة وأخرى ستمرر معها عبر الجمارك دون أن يحدث ذلك مشكلا. كان من بين المبررات أن بعض هذه الأرباح يعطى مساعدة للاجئين السوريين الذين يعانون من قساوة الظروف، وكذا للمجاهدين الذين يضحون بالغالي والنفيس من اجل رفع راية الإسلام.

أصبح فؤاد داخل بنية التحليل الذي سمعه ويسمعه من الحاج كمال والآخرين. السنوات التي قضاها معه و اشتغل فيها داخل مؤسساتهم ورافقهم في سفرياتها وخلوتها، كلها جعلته واحدا منهم. لكن فؤاد داخل كل ذلك حافظ على ذاته الخاصة التي تعيش تناقضات التوافق والاختلاف مع الجماعة. قد تأتيه لحظة يحنّ فيها إلى جلسته بجانب الخياط بالمدينة العتيقة بمكناس وقبالته باب مكتبة الجامع الكبير و السقوف الخشبية التي تجعل الممرات باردة ومظللة بين الدروب واطياف الناس الأبرياء في أمانيهم وطلباتهم اليومية. هذا الحنين الذي يقارنه مع تعقيدات الحياة الجديدة وتتطلبه من توازنات تكون على حساب صدقه الداخلي مع نفسه أولا. هذا الصدق الذي يغيب فتغترب معه الذات وتشقى الروح.

وتنكشف أسرار التجارة فتكون غطاء لعالم آخر وسياسة أخرى يندهش لها عقل فؤاد لكنه يستوعب الفهم الذي يأتيه منها. كان المستودع الذي اكترته الشركة مخبأ هذا المنطق المطلسم للعمليات. تسلُّم البضاعة المشكَّلة من الألبسة تارة أو من الأواني التركية تارة أخرى، فرز الصناديق التي لا تخرج للتوزيع على المحلات وعلى المتعطشين للتجارة في البضاعة التركية الجديدة على السوق، كلها عمليات بيّنت للسيد فؤاد سرّ هذا الائتلاف والاتفاق والمحبة التي تجمع بين أطرافه. في لحظات من لقلق والتوتر قد يكون هذا هو موقفه وحكمه. لاشيء كان بنية صافية. هناك مصالح متبادلة وإرائز مطلوبة في التلبية.

كانت بضاعة الألبسة صافية في عملياتها، لكن بضاعة الأواني البلاستيكية أو الخزفية تضمّنت سرّ الحكاية. عشرات القطع الأثرية يتم صبغها بألوان الأواني ووضعها داخل صناديقها الخشبية ملفوفة في قش اصطناعي. تنام مثل أرواح الشعوب القديمة مغتالة من أمكنتها ومهرّبة من سفينة التاريخ.

لم تكن هذه التعابير الأخيرة من صياغة فؤاد، لكنها مما قرأه في لحظات بحث في المواقع الإلكترونية. هكذا أصحت فلتات اللسان التي يشتغل عليها التحليل النفسي مجسّدة في كلمات وعبارات البحث التي يكتبها الفرد في خانة البحث في محركاته الإلكترونية وباخصة محرك البحث غوغل.

وبدأ الشك يحوم حول ذهن فؤاد لكي يزعزع اليقينيات التي بناها كبرج وحصن لعلاقاته مع المحيط. بدأت أسئلة كبرى تزاحم وعيه وقصده، تراجه معه الماضي وصدفَه التي اعتبرها هدية قدَر له. وضع في قفص الاتهام كل واحد ممن عرف داخل هذه الدائرة، دبءًا بالسيد عبدالجواد، ثم الحاج حميد، الحاج كمال، وآخرون. لا يدري لماذا لم يجعل اسم السيد عبدالعاطي ضمن هؤلاء المتهمين في محكمته العقلية. كل يوم يجمع خيوطا جديدة ويضيفها إلى أخريات ويحاول أن يستنتج. لكن الرأس قد يصبح فرنا فيكاد ينفجر إذا لم يجد متنفّسا يخفف عليه وطء وعبء المجهول تفسيره، لذلك وجد في مدينة الدار البيضاء ضالته في تحقيق توازنات جديدة.

قد يفسر سرّ تشبث الناس بهذه المدينة رغم وحشيتها و ابتلاعها للأفراد كبالوعة بحرية يغرق فيها كل سابح. كيف يتقن العيش في الغرق الجديد؟ ذاك ما كانه عيشه للتناقضات قبلها بين خلوة الزاوية وطقوس الزهد ولقاء الجماعة، وبين صخب تفريغاته في العلب الليلية بالمدينة الجديدة بمدينة مكناس. الآن هو بالدار البيضاء، ولا تخلو المدينة من لازمات تترجم ثقافتها: كازا يا كازا، اللي مشى ما جاء. أو: الدار البيضاء، تشوف حتى تعيى وتشرب الشراب. وما يكونه الشراب سوى جعة باردة او نبيذ معتق يفرّ له الغرقى في هذه المدينة. لكن التوازنات مطلوبة كل صباح يوم جديد. حتى إن فؤاد أصبح يرى وجوه الناس بأقنعة وليس بملامح إنسانية صادقة، وفي ذلك تبرير و شرعية لأقنعته التي يشعر باستعمالها في يومي هذا الأخطبوط العمراني والثقافي: الدار البيضاء.

في لحظة نشوة وسمر ليلي، يعبّر لمجاوره في مقصف الحانة:

ـ يوم واحد في الدار البيضاء يساوي ألف سنة في مدينة صغيرة.

يجيبه الطافح في ثمالة:

ـ ليلة القدر خير من ألف شهر.

قد يستغفر الإثنان أو الواحد منهما من هذا التلاعب المازج بين المقدس والمدنس، لكن سحابة خطورته تنفلت مع سيل الكلام والحوار والانتقال من موضوع إلى آخر.