Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Menu
ظلُّ (عْمَارْ)

ظلُّ (عْمَارْ)

ظلُّ (عْمَارْ)

ظل (عْمَارْ)

 

يخاف ظله. يشتري له كل يوم حلوى صغيرة مستديرة أو مربّعة و بشتى الألوان الممكنة. حلوى صنعت عارية من كل لفة، يُناولها إياه صاحب الدكان بعد أن يكون قد أولج كامل يده داخل العلبة البلاستيكية المستديرة، ليحرك أصابعه بما علق بها من مواد تجارية أو بيئية محيطة، ثم يقبض على بعضها ينتظر معها إشارة المشتري (عْمَارْ) ليتوقف عن التحريك و التدوير ـ و كأنه تحريك كرات اليانصيب أو قرعة ما ـ فيقبض على الحفنة التي خلقتها اللحظة و الصدفة.

عيْنا البائع على عينيّ المشتري. اتفاق و توافق تعوّدا عليه يوميا. حتى إن بعض الأطفال أخذوا حين مجيئهم بريالات قِرى يوميّهم، يطلبون من صاحب الدكان حلوى من علبة (عْمَارْ)، يشترطون تدويرة اليانصيب لكي تطلع عليهم الألوان و الأحجام المشتهاة صدفة. حتى إن بعضهم يتفنن في تقليده أو قد يضيف:

ـ لا أريد الزرقاء. أريد الحمراء. لا، لا، لا... أريد تلك الصفراء و الخضراء، و الحمراء... نعم. كلها في درهم واحد. حرّكها في ارتجاج. اخلطها من فضلك.

و تبقى الأصابع متشابكة بنفس طريقته أو تقريبا، ذلك أنه يتقن ضمّها خمسة في واحد ملتصق ومتّحدٍ و ملحّ معه في طلبيته...

(عْمَارْ)، يختار توقيته أمام زبائن المقاهي المنتشرة و المنتشرين كطفيليات الشواطئ العالقة على الصخور و المرتجة مع مدّ و جزْر البحر كما الواقع الذي لا يهدأ من غريب مفاجآته. يسهم بعينيه الغارقتين، يتربص مثيلاتهما العابستين و الضائعتين في حزن عميق يسقطهما في جوف غار سحيق همدت ناره رمادا متقدا في جرعة القلب و حرقته. يخاطبه ناهرا و ناهيا:

ـ آشْ دّاك؟ أخرج من الغمّ قْبْلْ ما يدير عْليكْ الزَمّ!

يغني أمامه لازمة أغنية مغربية مشهورة حفرتها السنون في ذوق المغاربة على الخصوص:

(آش دّاني، علاش مشيت.. غير نظرة بعيونه راه كواني.. آش دّاني...).

يرمي أمامه قطع الحلوى، لكنها تفترش دائما ظله. لا يدري الناس كيف يتحقق سحره ذاك، أية جاذبية تجعل الترابط بين الظل و الحلوى؟

ـ ها أنت ! أنظر ! حلّي الحال، يمشي في الحالْ !

يأخذ لازمته مع خطوه و ظله (الحال ولد الحال. حلّي الحال، يمشي في الحالْ ! حلّي الحال، يمشي في الحالْ !). يتفاعل معه الناس بلازمة تعقيبهم أو سخريتهم أو مكرهم أو شعبية التواصل مع (عْمَارْ): ـ حلّي باشْ تولّيّ...

اعتاد الكل على جملته. لم يدركوا أنهم قد أصبحوا مدمنين عليها قاعدة و مثالا و تشبيها و حكمة. والأكثر من ذلك: منطقا لحياتهم و علاقاتهم. تراقبهم عيناه كل حين. كلما ردّدوا جملته، لا يردّ عليهم. يمز شفتيه المنطويتين على فم أدرد. يراقص جنبات خدّيه المحفورين في خواء داخلي نيابة عن كل جواب. يطيل  النظر في أصحاب الحال. يخاطبهم، هم كذلك:

ـ الحال ولد الحال. حلّي الحال، يمشي في الحالْ ! حلّي الحال، يمشي في الحالْ !

يضحك و يضحك و يضحك. يتحاشاه السامع رغم استفزاز ضحكاته لدواخله. يعلّق متغافلا:

ـ أحمق !  أغرب من هنا !

يزمجر بأنفاسه و كأنه حصان جموح. تجحظ عيناه. لكنه يحوّل النبرة المتعالية إلى وداعة نطق للازمته: الحال ولد الحال. حلّي الحال، يمشي في الحالْ !. حلّي الحال، يمشي في الحالْ !

لم يتوقع جمهور المتربّعين على كراسي الأرصفة التي احتضنتها المقاهي و المطاعم و الدكاكين أن يكون للازمته تأثير كالذي رأوه. قالها في وجه علال، ذلك الزبون في مقهى (شبيكة) الذي تهدل و ترهل و التصقت قواه متلاشية مع قوائم الكرسي المعتاد، بعد أن ناداه هذا الأخير بها. رمى أمام ظله الذي احتمى بجسده من أشعة الشمس، هذه التي غطاها (عْمَارْ) بوقفته عن (علال)، بقطع حلوى. شخّصه بعينيه. مجّ شيئا كان يلوكه وراء شفتيه الملتصقتين و المتراقصتين. كرّر لازمته (الحال ولد الحال. حلّي الحال، يمشي في الحالْ !) أمام عينيه اللتين تحوّلتا من سخرية ماكرة إلى متوترة و متهمة:

ـ الظل يتخبّأ وراء (عْمَارْ)، و (عْمَارْ) الشمس حارقاهْ. الحال ولد الحال. حلّي الحال، يمشي في الحالْ !. حلّي الحال، يمشي في الحالْ !

خطَا (عْمَارْ) بضعة أمتار. تراجع صدى لازمته في لا شعور علال. انهمر هذا الأخير بكاءً، في غرابة مشهد لرجل يبكي وسط الرجال، وسط مصيدة الشماتة المنتشرة شباكا و شراكا في شبكة عنكبوت هذا السوق المجتمعي. خاطبه ظلُّهُ قائلا:

ـ أ لم نتعاهد على عدم البكاء أمام الرجال، الشمايتْ؟ و لا حتى أمام النساء، المتشفّيات؟ أ لم نجعل للبكاء غرفة سرّية و لو كانت جرعة مُهلٍ، بعيدا عن الأنظار؟

نهض (علال)، محمرّ الوجنتين و العينين. مضى في الاتجاه المعاكس لوجهة (عْمَارْ). سمع مناديا من الرصيف المقابل ينادي: الحال ولد الحال. حلّي الحال، يمشي في الحالْ !

ضحكت السماء للانتصار، و أمطرتْ قطرات، ظنها الناس غيثا و رحمة من السماء. كانت ساخنة ومنهمرة من مقلتي (عْمَارْ). كان (عْمَارْ) قد هدّه المشي و المرض و الوقوف على قدمين عاريين إلا من شقوق الزمن و حوافر جروحه. تسعة عقود و لم تشفع له في راحة من الحال، و من لازمته:

ـ الحال ولد الحال. حلّي الحال، يمشي في الحالْ !

تضبّبت الرؤية و الرؤيا. تخيّل الجميع و قد تجمهر حوله متراقصا و مردّدًا: الحال ولد الحال. حلّي الحال، يمشي في الحالْ !

بدتْ غيمة بلا لون فوق الجمع. ربما اتخذت لونا رماديا داكنا. ربما كانت انعكاس مرآة للَون جلابية عمار. رسمت أشعة صادرة على جنباتها، منسدلة كخيط الليزر، لكنها قرمزية اللون، لكنها محتجبة المصدر. تجمّد عْمارْ في وقفته كمسلة آخذة في التمدد عموديا. و بينما تناثرت قطع الحلوى وسط الدائرة دون أن تخرج عنها، تشكّلت طبقة سديمية عتّمتْ رؤية ما يقع و ما وقع. تبخّر عْمارْ و بقي ظلّه و حلواه عنصران شاهدان على مروره.  لا جُثة حاضرة. لا لازمة قائمة. شعُر حينها بالارتياح هذه المرة غاصت عيناه داخل صوتهم و دائرة لهيب أعينهم و جاذبية السماء. همدت أنفاسه مستريحة من حاله و بقي سرُّ عروجه كرة ثلج تضخّمت في الحكاية!