Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Menu
فرطاس الجبل ـ 14 ـ

فرطاس الجبل ـ 14 ـ

فرطاس الجبل ـ 14 ـ

16 ـ

يتأمل فحص الخالدي إطار النافذة و ممر الشرفة المؤدي إلى جنبات الحديقة. سها بعينيه عن اللون الأرجواني الداكن الذي يكسو أوراق شجرة البونسيانا فيوقع على خضرة الأوراق الملتحفة. الرؤية ضباب ذهني يغلّف أفكاره و الحواس منتظرة تصحيح وجودها و وظيفتها. الصمت داخلي بشكل كبير، لا مرسلات خارجية توقع على وتر النفس. و هذا المحارب في استراحة الإسكندر الأكبر. رجله اليسرى ممدودة و اليمنى مثنية يتكىء عليها بمرفقه. أما رأسه فبين رفع و خفض في لقطة شحوب غير معبر عن معنى، غارق في تيه لا فكرة تراقص مرآته السديمية. تحركت بالخارج ريح عابرة و تحركت معها أغصان البونسيانا، و كأنها تطرق لألآت عينيه. كأنها تقول له هذه أنا معشوقتك الأمريكية و سفيرة القارات في حديقتك و ملهمة أفكارك و كتاباتك. يرفع عينيه لها و يحاول أن يجيب. لا أصوات مسموعة، إنما هي الأفكار تتهاوى كأوراق الخريف، رغم أننا في فصل شتاء. لا يعلم من يخترق الآخر، هو أم الصورة أمامه. هذه الصورة الحية و المتحركة داخل إطار النافذة.

يفاجئه صوت رنة داخلي. أهي رنة أم طنة؟ إنها قوية فعلا. ببريق لامع ينعكس داخل ذهنه رقم خمسة و خمسين. رقمه العددي في هذا الوجود. أقواس الاستفهام تتلاعب بمدى بصره، و ذاك الطنين يسخر من صدى أصواته لمنفلتة داخليا دائما. كم تبقى لك لتعيشه يا فحص؟ 55 سنة؟ و ماذا بعد؟ تجيبه البونسيانا بحفيفها الهامس. لا لغة في الوجود غير لغة الدوام. عمر الأشجار يسخر من عمر الإنسان. جذروها في عمق الأرض و فروعها تعانق السماء. أي خلود يغتر به الإنسان إذا كانت الشجرة تستطيع العيش لقرون و قرون؟

رأى نفسه ضعيفة و مشلولة أمام هذه التي تحاكيه أسئلة. كيف يستطيع ان ينتميَ إلى قوتها و قوة العظماء الذين تحدّوا جميع أشكال الضعف و الزوابع الجارفة؟

ساءل نفسه:

ـ هل يمكن أن تكون الجنة بدون طبيعة؟ و ما دامت الجنة خلايا الوجود في كل كائن  و موجود، فهل هناك حياة بدون خلايا؟

عبّس بطريقة الحائر في فكرته و المتردد في صياغتها. راود نسفه:

ـ وقت تفلسف هذا أم وقت مناجاة؟

لا يعلم جوابا. لم يألف صدّ ما لا يحبه من أفكار أو اقتراحات بالعنف و القوة، خصوصا في علاقاته الأسرية. عقدان و نصف من الحياة الزوجية و التربية، مدة مرّت في أجواء هادئة إلا من شغب جميل للأفكار و بعض صراع أنانيات يصبغ طعام الزواج بملوحة جديدة. فكم من الاحتمالات أمامه لمعالجة الموضوع؟ تدعوه البونسيانا لزيارة ديارها الأصلية، لتبليغ السلام لأصولها الأولى. يبستم لخواطره الأخيرة. ينظر إلى المكتب و رفوف الكتب و علاقة المعطف و إطارات اللوحات و الصور و إلى كرسيّه الذي يعترشه... نظرة غرائبية استفهمت معها الأشياء الحاضرة في الغرفة ماذا يريد منها؟ يطمئنها بنَفَسٍ متحسّر. يُرْجع اللوم على الإنسان. هذا الذي اقتطع و جز و اقتلع و صنع من الشجرة خشبا و حطبا.

هل كان فحص الخالدي في حاجة إلى مثل هذه المرافعات الوجودية؟ يثني رجله اليسرى مريحا لها من تمدد و يضع مرفقه فوق فخذها لكي يغطس بكامل وجهه  داخل صفحتي يده باحثا عن سكون:

ـ لا يمكنني أن اكون شجرة. لا أستطيع البقاء هنا ثابتا و سماء هوائي و تنفسي مترحّلة عبر محيط و قارات. لكنني لن أستبق الأحداث. لابد من تحكيم عقل ومنطق جدّيين.

تطرق شادية باب المكتب. هديّتها له في هذا الليل الهادئ إلا من رطوبة باردة في الخارج، براد شاي باللويزة تنعش الشرايين و تريح الجهاز العصبي.

ـ أردت أن تشاركني هذا الكأس من الشاي. تعب اليوم يزول معه.

ـ عندك حق في ذلك. أنا كذلك في حاجة إليه. ما رأيك أن نشربه في غرفة نومنا أفضل.

تشرق ابتسامة عريضة على محيّاها و تحبذ الفكرة.

ـ و الله العظيم سيكون أفضل. في طقس مثل هذا من الأحسن أن يهيئ الإنسان نومه متسلحا بكتاب أو متابعا لفيلم داخل سريره الدافئ.

فكّر في التطرّق لموضوع شادية لكنه أجّل ذلك إلى وقت مناسب آخر. ربما سيقترح على شادية الذهاب نهاية الأسبوع إلى مدينة إفران، سيكون أفضل لمناقشة الموضوع.