Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Menu
حب في الذاكرة

حب في الذاكرة

حب في الذاكرة

 

غمرتهُ أمواج البحر، حتى إنها لم تعدِ المكلفةُ برحلته، لم تعد أطرافه في حاجة إلى مقاومة. استسلم الكل إلى قدر الغرق المملح بالعتمة.

كان قراره في وضع حد لهذه الحياة. وحيث إنه لم تكن له حياة واحدة، وحيث إنه كانت تعيش بداخله أرواح وأصوات، كان يعيش حيوات كُثر. مرةً، فكر في السر عن عدم استعمال جمع كلمة حياة بكثرة بين الألسنة.

يقف مشدوها، بعينين بعمق المحيطات الخازنة للأسرار. يراقب شفاه المتكلمين، يتربص بحروف الكلمة: ح – ي ـ و ـ ا ت. تنفلت الألسن من استحضارها. ربما. ويتوقف عن النظر، فيعود لرؤية ظله الذي يرافقه. الوحيد الذي بقي مخلصا لخطوه، رغم أنه كم من مرةٍ وقف مرافعا إياه، متبادلان الاتهامات والإدانات والغباء. لكنهما اكتشفا على أنه لا مخلص لهما من ذلك سوى تصالح جميل وحب متشرنق، كلما بليت أوراقه، جدّداها مع فصل كل ربيع جديد، جعلا له طبيعةً في قلب أخضر، واستعارا له حبرا أخضر، بينما تركا باقي الألوان عزاءً للآخرين أو مجاملة في مراسلة.

تلك حكاية ظلٍّ، انمحى مع الماء.  وهو ما لم يكن في الاتفاق بينهما.

لكنْ، ما فائدة الوعي في العدم؟ كان السؤال قرار خلاصهما واستنتاجهما الأخير.

سافرت الذاكرة في العدم، وتناست سؤال الوعي. لكنَّ روحه أبتْ مرافقة الاثنين. لا يزال لها حب في الحياة، وحياة في الحب. لا تزال لها ورود تنتظرها للعبق، لتبادل الهدايا والابتسامات والقُبل. لا تزال لها حقولها المزركشة الألوان، داخل سمفونية تغاريد وتراقصات وتشكيل.

كل هذا الحب جعل الرفض للمغادرة. كان القرار أنانيا، لم يلمْه أحدٌ. حتى روحَه لم تلمه إذاً. حتى الذاكرة لم تكن لائمة له. لكنها كانت مخلصة ووفية للجميع:

- سأخلّصك مما أنت فيه. ستموت فيك الذكريات المُرة، وأوجاع الآهات، وغدر المُطْلقات. ها أنت ميتٌ إذاً. ها أنت حي متجدد متشرنق. ها أنت قد أنقذتك روحك، أنقذك حبك وجمال قلبك.

بعد الغرق، بعد البحر، صرت الخلاص الجديد في شاطئ جديد.

كل القراصنة والسماسرة ، كل الذئاب التي نمَت و داغتنت ونهشت من فؤادك في رقصة لئامٍ، ها قد تخلصت منها، ولم تنطق بها روحك، ولا ذاكرتك. لقد تخلّصتَ من الكلام. نسيان أو فقدان للذاكرة، علاج أمان. طهارة وتزكية، وشمس جديدة لم ترها من قبلُ، واستحمامٌ لم تنعم به بنفس الطعم والاسترخاء.

كل العيون والابتسامات، أصبحت رحاب سفرك ورحلاتك الجديدة.

ولكي تعلم أن هذا الغرق المملح الذي اخترته كنهاية النهايات، إنما هو تكلس وتخلص من عناصر مات.. أخذت بيدك علامات الاستفهام والتعجب. نقلتها من ساحة معرض إلى باحات قلبك. تعلقت بها، بينما موج الغرق في جزْرٍ بعد مدّ. اتخذتها متّكآتٍ للاندهاش:

تُرى ، كم من موت في الحياة؟

ترى ، كم من حياة في الممات؟

وكان دمج السؤالين هو الخلود والخلاص. نِمْتَ مستريحا، واستراح منها الحرف من نقش ونبشه. وما نهش، و لكنه انتعش.

حسن إمامي

 

حب في الذاكرة