Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Le blog de mondevenir/imami hassanإمامي حسن
Menu
سم بن ق 10

سم بن ق 10

  في جلسة هذا المساء الربيعية ، و التي تفوح بريح الزهور لأشجار الليمون من البساتين المنتشرة على منحدر الوادي ، ابتداء من قنطرة ( عين وليلي ) و امتدادا ملتويا و متعرجا يأخذ في الاتساع العريض كلما انفتح الجبل بجناحيه مفترشا لهما لمعانقة السماء و زرقتها الماسية الموغلة في الاسوداد بتردج رحيم ، و الارتماء على منبسطات سهل خومان ... كشرفة افقية في إطلالتها على الجهة الغربية الشمالية و الغربية لخرجة الوادي من عنق جبال زرهون ... ريح الزهور الذي تحتفل به الحيوانات و تستعد معه للتلاقح و المعاشرة و التوالد ، و الذي تجعل منه عطرا دافئا هدية تلتحف به في امتزاج أنفاسها و رقصاتها ، لا تخرج النباتات و الأزهار و الورود و الأشجار عن سنته في الاحتفال داخل مساحة فضاء هذه السمفونية الربيعية التي تجعل البيئة اركسترا ينضم لهارمونيتها كأس الشاي كذلك المعطر ببراعم زهر الليمون الذي تفوح رائحته ممتزجة  برائحة النعناع البلدي المنتوج بالماء العذب لعيون زرهون المتنوعة المذاق و الطعم ...، فتشتهي النفس للارتواء ... و تزيد اللوحة جمالا تلك الباقات المعدة من الأزهار و الورود الملونة و المنزلة فوق  طاولات المقاهي و الدكاكين و المنازل ...

في  هذه  الجلسة الليلية التي بدأت نجوم السماء تتراقص  ، جاعلة من تلألئها إيقاعا ضوئيا عليه يفترش الخلق موسيقاه السمرية و أحلامه العلوية ، و من قمرها المبتهج بفستانه الفضي الللامع، والذي بدأ يطل على مسرح الحياة الليلية ، كأنه قائد فرقة موسيقية ـ مايسترو ـ بلغة الإذاعة المسموعة .. يكفي بعض الأحيان أن يكون جهاز راديو صغير حاضرا لاجل لخلق الأنس و السمر و السهر ـ راديو السيس (6) ـ ، إذا كانت بطاريته جديدة ، أسمعَ الجماعة الساهرة ما كُتب لها من أغاني و سهرات و أخبار و برامج .. ، و نقلَها بعد منتصف الليل إلى عوالم إذاعة طنجة ، و ذوق فني جميل متحرر من رقابة عبوس النهار بأخلاقياته و رسمياته ، ومن صرامة و هول إذاعة الرباط العاصمة ، و التي  تعمل بتوقيت الرباط و سلا و ما جاورهما ... قد تتوفر في بعض الليالي آلات تسجيل ( مسجلات ) ، تستعمل فيها أشرطة مسموعة ( كاسيط ) ... بعضها مما اشتراه أحد سكان الحي و أبنائه من المدينة ، و الآخر مما جاء به مَن تجند للعمل العسكري بالجنوب ، حيث الأجهزة و المواد التجارية رخيصة الثمن ، استثناءً هناك ، باعتبار الوضع الجديد في الأقاليم الجنوبية ، أمنيا و اجتماعيا و سياسيا و اقتصاديا ... وباعتبار  القرب من لاس بالماس و الجزر الكنارية او الجعفرية ، و التي ما انطفأ صوت عزيزة جلال من الغناء باستراجاعها للوطن في إحدى إنشاداتها ...

كان (عبدو) ، أحد تلامذة الحي النجيبين في الدراسة .. وكان تجند أبيه في الصحراء مبعث فخر و رمز شجاعة و بطولة لعالئته و سكان حيّه خصوصا لما جاء في إحدى المرات بسيارة عسكرية ( جيب ) ، وبلباسه العسكري الميداني ، و بأثر الرمال على حذائه الطويل الذي يصل إلى ركبته ... كانت زيارة سريعة قام بها لأسرته بعد أن أتم مع فرقته مهمة مرسولية مستعجلة من تخوم الصحراء و جبهة المواجهة إلى الجهات المسؤولة بالعاصمة الرباط  .. وقفت السيارة الرباعية الدفع على الحافة المعلقة كأنها واقفة على جدار حائط ... أدى السلام للجالسين بجوانب ضريح سيدي محمد بن قاسم بتحية عسكرية سريعة متوجها إلى زيارة أسرته و التي لم تدم أكثر من ساعة ... غادر بعدها داخل السيارة مع الفريق المرافق له في اتجاه عمق الجنوب الذي يبدو كأفق مستحيل في الرؤيا لمن لم يقم بزيارته لحد الساعة ...

 وبقيت التساؤلات تطرح ، و كان المرجوُّ استفساره هو ( عبده ) ابن العسكري .. و الذي أصبح الآن، يدرس طالبا بجامعة محمد الخامس بفاس ... ففي تلك السنة ، انتقل عبده من مكناس إلى فاس ... لم يعد تلميذا ، بل أصبح طالبا و بدأ يكتسب شخصية جديدة مع طُلابيته و ينفض غبار التلمذة ليشعر بتحرر أكثر ... تحرر أخذت دائرته تتوسع بشكل سريع كانتشار دوائر الماء حول محيطها مع كل حدث ارتماء على سطحه ... في كل زيارة لعائلته ، كانت أفكار جديدة تتركب في لغته ، تدهش أفرادها كما تدهش ساكنة الحي الذين يتواصلون معه خلالها ...

 و كانت جلسة الربيع هاته ... حيث يجلس (الحارثي ) كعادته ، و معه بعض شباب الحي المتفاوت الأعمار ... ضياء قمر يؤثث أطلال الجبال و الأشجار ،  تعكس استدارة ًلجينية ًفي إحدى تجمعات الماء أسفل الوادي ، بادية من زاوية جلسة الساهرين بجوار جدار سيدي محمد بن قاسم ... و ربما يمر طيف من ظل ليلي لكائن حيواني هنا أو هناك ... يشرع الخيال  نوافذه لكي يشتغل أكثر ، كأنه كائن ليلي هو الآخر لا يعيش إلا مع ضوء القمر أو غمض الجفون للخلائق ... قد يصبح مرور كلب ذئبا أو ثعلبا أو خنزيرا بحسب حجمه ... قد يصبح أرنبا أو سنجابا أو جرذا ... قد يصبح مبعوثا من المقابر المقابلة للجلسة في أعلى صدر  الجبل فوق الحي السكني المتنامي الجديد ( الظْهِيَّرْ ) ... قد تغشى العيون و تنام ، قد تطلق العنان لمقامات الكيف فلا تراعي درجات الهذيان مع تخديره ...

خرج عبده حوالي الساعة العاشرة ليلا إلى جوار الضريح ، وبعد السلام على المجموعة الحاضرة ، جلس بالجوار متخذا مسافة الضيف على مقام رواد و مدخني الكيف و السجائر ....

ـ إيوا آ سي عبده ... ما جاكش النعاس . يسأله صديق طفولته ( نجيب العوفي ) .

ـ الرأس منفوخ ... واحد المادة في الفلسفة لم ترد الدخول إلى الرأس ... قلت أشم بعض الهواء و النسيم الليلي ، أرتاح شويه ...

يملأ الحارثي شقف السبسي بالكيف ، يشعله ، و يعطيه ل(عبده )...

ـ هاك عاوْنْ بهذا السبسي ... استنشقه بالمهل ...

يعلق نجيب العوفي ضاحكا :

ـ و اللهِ لقد أعطاك ابا الحارثي الحل ...

ليلتها دخل عبده إلى المنزل ، ركز على مادته الدراسية ، استوعب مضامينها ... بعدها بقيت سُنة خلال مدة التحضير للامتحانات ، حيث يبقى في منزله بزرهون ، لا يذهب إلى الجامعة ، ما دامت الدراسة قد توقفت استعدادا لها ... كل ليلة يلتحق بالجلسة ، يدخن معهم وجبة سبسي واحدة فقط  دون سواها ، يساعده على التركيز في دراسة مجردات المادة و منطقها ... بعد انتهائه من الامتحان ، عاد لجسة الجماعة ، اراد التدخين معها ، منعه الحارثي من ذلك :

ـ ياك الامتحان انتهى ... إيوا هاذاك الشيء كان باب القراية ... دابا ، يلا  قربتِ للسبسي ، يكون الخبار عند عمي العسكري و الوالدة ...

يقهقه نجيب حتى تستبين اضراسه مع انعكاس نور الشمعة عليها :

ـ ما ترك لك ما تقوله آ عبده ... أبّا الحارثي على حق ... أنا أقولها للوالدة الآن إذا قربتَ من السبسي ...

تعالت الضحكات حتى قرعت زجاج نوافذ المنازل المجاورة و التي توسد الآذان لاستراق صوت مفاجىء في هذا الليل الربيعي ...

 

سم بن ق 10سم بن ق 10
سم بن ق 10سم بن ق 10